في عيد ميلاد الثورة

في عيد ميلاد الثورة

17 يناير 2019
+ الخط -
الثورة فعل سياسي واجتماعي، ولهذا فإن تقييمه لا يخضع للعواطف بل للنتائج. وإذا كانت الثورة فعلا ممتد الأثر، ويصعب تقييمه خلال سنوات معدودة، فإن حصاد نتائجه خلال سنوات ثمانٍ، ومع الخبرات العامة للثورات حول العالم تجعلنا نتفق على القاعدة العامة المضطردة في تجارب الأمم، وهي: إن أسوأ وسائل التغيير وأعلاها كلفة هي الثورة.
هذا ما أدركته الأمم، عبر مسيرتها وتراكم خبراتها، وكانت المنطلق لإيجاد نظام سياسي مرن، قائم على حرية المنافسة السياسية، وتوفير آليات سلسة لتداول السلطة، مع إعطاء الشعوب حقها في أن يكون لها صوت ورأي في الإدارة السياسية للبلاد، من خلال حق التصويت وتكوين الأحزاب والهيئات والمنظمات المدنية، لتوصيل صوتها ومحاسبة السلطة.
وهذه الآليات هي التي تقطع الطريق على الثورة، وتجد من خلالها الشعوب وسيلتها السلمية للتغيير. وبالأحرى، قطعت الأمم المتقدمة الطريق على إنشاء نظام حكم ديكتاتوري، يقوم على حكم الفرد، ويهمش دور الشعب، ويقف سداً أمام حريته.
فلولا زين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي صالح وبشار الأسد، ما قامت ثورة في العالم العربي، فهؤلاء أجرموا بحق أوطانهم وشعوبهم، ووقفوا سداً أمام تطلعات الشعوب، وركدت مياه الشعوب خلف سدودهم زمناً، حتى أَسِنَت وتعفنت في بحيرة الاستقرار المزعوم. وحين تحركت الأمواج ولم تجد لها مسارات شرعية، لم يكن هناك سبيل سوى هدم السد، وإفساح الطريق لطوفان، لا تدري أين مساراته، وماذا سيدمر في طريقه.
وليس هؤلاء الرؤساء هم فقط المجرمون في حق أوطانهم؛ بل أجهزة إعلامهم التي صنعت تماثيلهم المؤلهة، وأنظمة الغرب والشرق الداعمة لإجرامهم؛ بل وطائفة من قطيع مغفل من الشعب، شارك في صنع الأصنام، ويسعى إلى صناعة صنم خلف كل صنم يتهدم أو يموت.
فإذا تعجل المتعجلون في الحكم على الثورة ونتائجها التي تبدو سيئة، فعليهم أن يوجهوا أصابع الاتهام، حيث ينبغي لها أن توجه، فالمتهم ليست الكتلة الحية من الشعوب التي تسعي إلى نيل حقوقها، بل لتلك التماثيل المصطنعة والسدود المحكمة التي شيدتها الأنظمة الديكتاتورية ومن يدعمها، ويظل خطر طوفان الثورة قائما ما زال سد الديكتاتورية قائماً.
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
محمود صقر
كاتب مصري.
محمود صقر