محاولة.. وبعد

محاولة.. وبعد

29 سبتمبر 2018
+ الخط -
بعد عناء ذلك اليوم القاسي والمرهق، نتيجة الشيء المدعو "المعتاد"، يتجه مباشرة نحو أحضان مكتبه، حيث اعتاد أن يمارس طقوسه المعتادة. يتساءل: أين تدور أحداث ملحمة الوجدان بين المعتاد اليومي البائس الذي لطالما شكل مصدر قلق وانزعاج وبين ذلك الفعل المعتاد، المألوف والمرغوب، ألا وهو فعل القلم والكتابة)؟
- ماذا بعد؟ هل أنهيت ما أردت أن تدونه، أم لديك شيء تضيفه؟ أظنها النهاية ...
- نهاية! إنها مجرد محاولة، سرعان ما سأجيد تلك البداية المنشودة، ذلك السبيل الملائم.
- قلت مجرد محاولة، لا أظن ذلك. لعل الأجدر أن تقول "مجرد كلام"، إذ أنك لم تعد حتى قادرا على إنهاء الشيء الذي أسميته "محاولة". لكنني سوف أتركك لكلماتك لعلك تسترجع كيانك.
عنوان كتاب يطرق باب ذلك البال، يخاطبه باستمرار، لعله يدخل غرفة الملاذ، يبحث عن الإقناع، ليتحول إلى هاجس يقيّد ذلك الكيان. بين مفردات الإبداع يمارس فعل التفكير، لعله يحاول استحضار أحداث تلك الليلة، إذ أين اتخذ قرار كتابة أول مخطوط له؟
لكنه في الحقيقة كان مجرد قرار مع تأجيل التنفيذ أو لربما مع إيقاف التنفيذ، إذ إنه، منذ ذلك الوعد الوجداني، لم يتمكّن من الكتابة، فقط مجرد محاولات مآلها الإقصاء والتهميش. يكشف ذلك الوعد عن مدى رغبته في كتابة أول عمل له. إنه وبكل اختصار يطوّق لتلك اللحظة بالتفكير المتواصل في هذا الموضوع الذي سيطر على وعيه، إذ أضحت حياته تتلخص في تلك الأعمال اليومية المألوفة بالنسبة له غير المرغوبة، هو يبحث عن بداية، فالأمر يتطلب شعورا بالسعادة، لحظة توّلد تلك الأفكار وترابطها كي ينطلق القلم في تلك المتاهة.
لكن تلك المحاولات التي كان يدونها طوال تلك الليالي والساعات باتت عاجزة عن استخراج إحساس الطمأنينة، وضمان تلك الرغبة في مواصلة الكتابة من دون انقطاع. شيء ما كان يحصل في أثناء ذلك، لا يعلم السبب، هو عاجز عن تفسيره. يستغرب فعل القمع الذي يلازمه طوال تلك الفترات، ألم تحن تلك اللحظة بعد؟ أم أنه غير قادر على كتابة المزيد؟
ترك ذلك المجد، تخلّى عن عرشه الذي احتلته الهزيمة. كلمات لم يجد غيرها ليكتبها في ظل تلك الحيرة المطلقة التي أطبقت على المجال.
إنه بذلك يخطو أولى الخطوات على طريق القمع، ما من شأنه أن يؤسّس لبروز طقوس الاندثار في ظلّ اضمحلال فكره، وتبدّد كلماته داخل شرنقة القنوط الفكري والخوف. هذا الفعل المحرّم والجائر لا يغتفر، إذ لعله يعتبر أقصى درجات التعذيب للذات، فلم يبق لهذا الوجدان المظلوم سوى قبول الأمر المحتوم.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)