الشعب يريد الشرطة

الشعب يريد الشرطة

20 سبتمبر 2018
+ الخط -
ما زلت أتذكرالإجابة التلقائية التى كنت أردّ بها على من يسألني في طفولتي: "عاوز تطلع إيه لما تكبر؟". لم أكن أفكر في الرد وقتها، بل كانت الإجابة تخرج بعفوية شديدة: "عاوز اطلع ضابط".
كان هذا على ما يبدو رد غالبية الأطفال، حتى أنّ أغلى الهدايا للأطفال الذكور وأثمنها كانت بدلة ضابط الشرطة (أو ضابط الجيش). بالطبع، كبر الطفل وتغيّرت الأفكار وتبدلت الأمنيات.
جالت في خاطري هذه الأمنية القديمة، وأنا أتابع أخبار القتل والخطف والتحرّش والعنف التي زادت عن حدّها في الآونة الأخيرة. هذا بالإضافة إلى أخبار عن اعتداء بعض أفراد من الشرطة على مواطنين مصريين، ولا وجه حق لهم في ذلك على الإطلاق، حتى مع ثبوت إدانة هؤلاء المعتدى عليهم. تكرار مثل هذه الحالات الفردية (والجماعية أحيانا)، وفي أوقات متقاربة، يجعل منها ظاهرة تستحق الاهتمام والمتابعة ومن ثم التدخل لإحداث تعديلات وإصلاحات جذرية.
كلام العقل يخبرنا أنّ الشرطة المصرية مؤسسة من مؤسسات الدولة التي عانت ولا تزال تعاني على مدى عقود من انتشار الفساد والمحسوبية وانعدام الرقابة. كل هذه المساوئ وأكثر موجودة في معظم مؤسسات الدولة، ولولا هذا ما قامت ثورة يناير المجيدة.
ولأنّ الشرطة المصرية من مفاصل الدولة الحيوية، وتتعامل مباشرة مع المواطن المصري، فطبيعي أنّ أيّ خلل أو فساد سيطفو على السطح سريعاً، ولأنّ نزاهة الشرطة المصرية وشفافيتها تمسّ المواطن، فيجب التدخل السريع والمباشر لإصلاح هذا الخلل.
دعونا نعترف أنّ مصر أم الدنيا من دول العالم الثالث، ما يعني مشكلات متراكمة عقودا متعاقبة، قد لا تكفي حياتي، ولا حياتك لإصلاحها.
ولكن من وجهة نظري، وحده جهاز الشرطة يستطيع أن يساهم في حل جانب كبير من المشكلات التى تواجهنا، نحن المصريين، أو حتى تواجه مصر باعتبارها دولة تسعى دائما إلى التعافي، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
يستطيع جهاز الشرطة إذا ما تحلّى بنسبة كبيرة من النزاهة والشفافية أن يعيد الإنضباط إلى الحركة المرورية في الشارع المصري، ووحدها كفيلة بإدخال السرور والطمأنينة وراحة البال على ثلثي الشعب المصري، ويستطيع أن يعيد الأمان إلى الشارع المصري عن طريق الوجود المستمر وردة الفعل السريعة، ما سيعطي انطباعا إيجابيا لدى السائحين والمواطنين على حد سواء، فالقاهرة الكبرى وحدها تحتوي على مئات الأماكن السياحية التى تحتاج إلى تسويق جيد لجذب السائح الأجنبي، لكن هذا السائح لن يأتي إلى القاهرة تفاديا للتحرش والمضايقات.
وأيضا يستطيع الشرطي الناجح والمخلص لعمله أن يقوم بإغاثة الملهوف، وإنقاذ الفتيات من التحرّش، لا أن يكون أفراد الشرطة أول المتحرشين، والسيطرة على النظام في الأماكن المزدحمة، وخصوصا في الأعياد والمناسبات، وأن يتعاون مع مفتشي التموين لفرض السيطرة على الأسعار في الأسواق، ومكافحة تجارة المخدرات، ومنع خطف الأطفال وتجارة الأعضاء، ومجابهة بلطجة وهمجية بعض سائقي الميكروباص ومعظم سائقي التو كتوك.
تستطيع الشرطة حل 90% من مشكلات المصريين، والقضاء عليها، وإيماني بهذا ليس من فراغ. أوّجه رسالة حب، باسمي وباسم كل أفراد الشعب المصري، إلى كل أفراد الشرطة: "نحن نريدكم معنا وبيننا، نحن نريدكم مصدراً لأمننا وأماننا".
ولأن الحب وحده لا ينفع ولا يشفع، فلا بد أن يأتي التغيير عن طريق التشريعات والقوانين، وإعادة الهيكلة بشكل مستمر، وتقديم أهل الكفاءة على أهل الثقة.
FAE510F6-4F2E-4E9A-AAF5-777939B74E4F
FAE510F6-4F2E-4E9A-AAF5-777939B74E4F
مصطفى سعيد ياقوت (مصر)
مصطفى سعيد ياقوت (مصر)