تحدٍّ لا خاسر فيه

تحدٍّ لا خاسر فيه

13 سبتمبر 2018

(لؤي كيالي)

+ الخط -
القراءة عملية تحدّ بين الكاتب والقارئ، ساحتها الكتاب، ولا خاسر فيها، مهما كانت النتيجة في النهاية.
تتحدّاني بعض الكتب التي أقرأها في مدى فهمي لها، وطريقتي في تلقّي الرسالة العامة التي تحتوي عليها. أتحدّث عن الكتب الجيدة، والتي قدّر لي أن أكمل قراءتها من الغلاف الأول حتى الغلاف الأخير، وربما أعدت القراءة ثانيةً في وقت لاحق. يحدث هذا كثيرا، وربما لا أتخلص من شعوري بحالة التحدّي، حتى أنتهي من الكتابة عن تلك الكتب. ولأنني لا أكتب عن كل ما أقرأ من كتب، فالتحدّي يبقى قائما دائما، ومادته كتب كثيرة، تتراكم في رفوف الكتب المقروءة في مكتبتي.
طبعا أتمنّى دائما أن أجد من الحماسة والوقت ما يجعلني أستطيع الكتابة عن كل ما يعجبني، ومرّات قليلة ما لا يعجبني، من الكتب، لكن هذا شبه مستحيل، فهي كثيرة جدا، ومعدّل قراءاتي يفوق بالتأكيد معدل كتاباتي. ومنذ سنوات قليلة، تخليت عن فكرة الكتابة عن الكتب، باعتبارها جزءا من متطلبات العمل الصحافي في الصحافة الثقافية، واحتفظت بفكرة الكتابة عنها، باعتبارها من الهوايات التي تسهم في تعزيز مهارتي القراءة والكتابة معا، وتدرّب المرء على كثير من الموضوعية النقدية، بعد أن تجعله يتحمّل تبعات ما يكتب مما لا يعجب المؤلفين غالبا. وهو الهاجس الذي يشغل بال الذين يبدأون رحلة الكتابة عن الكتب عادة، وخصوصا التي تربطهم بمؤلفيها علاقات شخصية. وفي جعبتي الصحافية أمثلة كثيرة على ذلك، وخصوصا في بداياتي مع الصحافة الثقافية، عندما كان الكاتب يهدي الناقد أو الصحفي كتابه، وكأنه يهدي إليه الدنيا ومن عليها، منتظرا أن يقرأ، في اليوم التالي، مقالة تطيّر كتابه إلى السماء السابعة، وإلا حلت عليه لعنة الزعل التي تتطوّر أحيانا لتكون حربا شعواء مستمرة!
لم تعد الصحف، في هذه الأيام، تهتم بهذا النوع من مراجعات الكتب، لأسبابٍ كثيرة تتعلق بتغير مفهوم الصحافة الثقافية نفسه أحيانا، وبتراجع رغبة العاملين فيها بكتاباتٍ من هذا النوع المُجهد، مقارنة بكتاباتٍ أقلّ جهدا، يمكن أن تسد فراغات الصفحات التي انحسرت مساحاتها، وخصوصا بعد اختفاء الملاحق الثقافية الأسبوعية من الصحف اليومية.
لكن مراجعات الكتب لم تختف نتيجة ذلك كله، بل تغير أسلوبها ووسائلها، وبالذات بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصّات النشر الإلكتروني، حيث ظهرت مواقع مخصصة أساسا لمراجعات الكتب من القراء الذين لم يعد للمؤلف والخوف من زعله وتحرّي رضاه أثر في ما يكتبونه من آراء عما يطّلعون عليه من كتب، وإن افتقدت تلك الآراء المهنيّة والحس الاحترافي والجديّة في أغلبها، حيث تعتمد على الانطباعات السريعة، بما يتوافق والوسيلة التي تستضيفها. أي أن هذه المراجعات، على الرغم من أنها أسهمت في انتشار كتبٍ كثيرة بين شريحة الشباب، أو القرّاء الجدد، إلا أنها أسهمت أيضا في انتشار موجة الكتابة الاستهلاكية السريعة عن الكتب على حساب المراجعات الرصينة في سياق النقد التطبيقي.
انتهيت، قبل أيام، من قراءة كتاب جديد من ذلك النوع الذي ذكّرني بتحدّي الكتب، فوضعته على رفّ الكتب التي تنتظر دورها في الكتابة عنها في مكتبتي، لأكتشف أن هذا الرفّ أصبح هو الرفّ الأضخم في محتوياته، ولا أدري إن كنت سأنجح في الكتابة عنها كلها أم لا، لكنها على الأقل ستبقى في إطار التحدّي المستمر، ومن يدري؟ ربما شجّعني ذلك للبحث عن أسلوبٍ جديدٍ للتعبير عن ذلك التحدّي، بعيدا عن فكرة الكتابة عن الكتب، والتي ربما لم تعد تغري أحدا بالقراءة!
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.