حرية الإبداع.. ضوابط وحدود

حرية الإبداع.. ضوابط وحدود

11 سبتمبر 2018
+ الخط -
ثمّة تساؤل يطرح نفسه، ويثير نقاشات ومواقف متناقضة بين من يؤيد الحرية للمبدع، كونها أساس امتيازه، ومن يرى أنّ هناك حدودا يجب أن تلتزم بها الحرية في كل مجالات الحياة، ومن يرى أنّ للمبدع الحرية، لكنها الحرية النسبية التي لا تخدش المتعارف عليه من العادات والسلوكيات.
لكل شعبٍ أخلاق وضوابط سلوكية، تجعل أفراده ينصاعون لها كي يتهادنوا ويتعايشوا في احترام ووقار لا يجب خدشه بأي حال. لذا تجد ثلةً من الجماهير، ومنهم نقادٌ يحدثون ضجة بصدد مبدع تجاوز حدود اللياقة والمعروف، ليُتّهم بإتيانه بالمنكر الذي لا يغتفر لصاحبه.
للإبداع سحره وفتنته وجذبه للناس، ومن هنا خطورته، فقد يستغله بعضهم من أجل الانتصار لنزعةٍ قد تكون غريبة وبعيدة عن المعتاد والمتعارف عليه باعتباره أمرا لا ينبغي تجاوزه.
وإذا كان الإبداع من أسس تحقيق الخير العام والتنمية في شتى قطاعات المجتمع، فإنّ الموضوعية تقتضي أن تحترم المترسّخ في النفوس، إذا كان أمراً له وجاهته، ولا يمت بصلة بالتخلّف والجهل. وهناك مبدعون كثيرون أطلقوا العنان لأنفسهم كي يخترقوا سياجات الأخلاق، بدعوى أنّ الإبداع هو المخالف للعادي. وقد لجأوا إلى ذلك، طلباً للشهرة والجرأة في السبق إلى هدم المقدس في النفوس، ومنهم من يخدم أجندة تتعلّق بنصرة أخلاق أقوام على حساب أقوام، تمهيداً للاستعمار والاحتلال بطريقة غير مباشرة.
ولعلّ أي إبداع لا يخدم هدفاً نبيلاً وفق نظرة المجتمع الذي ينتمي إليه صاحبه، يمكن اعتباره اعتداءً على حرمات وأخلاق يجب أن تصان لأن في ذلك صيانة لوحدة المجتمع وتضامنه. والحال أنّ الإبداع الذي لا يحترم قضايا وميول جمهوره العام، مآله الرفض والنبذ رغم نصرة قلة قليلة له.
حرية الإبداع لا تعني التصرف الأهوج الذي لا تحيط به الضوابط والروادع التي تعطيه معنى يستقر في النفوس فلا ترفضه أو تنفر منه. ولا تعني العبث المستبيح للأعراض والناشر للأمراض القيمية، وهي أشد من الأمراض البدنية. ولا تعني أن تأتي بجديد عبر إظهار ما ينبغي أن يستتر، وإبراز ما لا يجب أن ينتشر ويستفحل سمّه في مناحي جسم المجتمع.
حرية الإبداع لا تبيح لك أن تخرج علينا بأفلام مؤسسة على الإباحية في اقتحام الجسد وإظهار المفاتن الصارفة للجماهير نحو الغرائز البهيمية بدل طلب العلم وبناء الوطن عبر الوحدة والأخلاق والتضامن المبني على المعروف بعيدا عن المنكرات.
حرية الإبداع لا تعني عرض لوحات تمجّد العراء بدل الحضارة والتاريخ المجيد، وهي لا تعني بالتالي العبث بالأشكال والألوان بعشوائية عابثة بالأذهان، خاصة وبعض النقاد يساهم في ذلك.
حرية الإبداع لا تعني أن تعبّر عن أنانيتك وأنت توجه منتوجك لجماهير توّحد بينها المسارات والمصائر عبر تاريخ تحكمه قيم ثابتة لها أسس لا تقبل الجدال.
الإبداع كجميع تصرفاتنا ينبغي أن تكون لها حدود تجعل منها عنصرا يلائم ميولاتنا ونزعاتنا، وما يمليه الدين الذي نتبعه بغية تنظيم حياتنا فلا يضر بعضنا بعضنا، بل نتفاعل تفاعلا إيجابيا مبنيا على الأخذ والعطاء والأخوة والوفاء.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني