نصائح لجبهة النصرة

نصائح لجبهة النصرة

02 سبتمبر 2018
+ الخط -
قد لا يمرّ يوم في سورية، منذ انتهاء معارك الغوطة وترحيل قسم كبير من أهاليها إلى محافظة إدلب، إلا ويتحدّث السياسيون والناشطون والمحللون الاستراتيجيون عن مصير محافظة إدلب، ومصير جبهة النصرة التي تُصنّفها معظمُ دولُ العالم منظمة إرهابية. وفي أوج الانتصارات العسكرية التي حققها الروس والإيرانيون وحزبُ الله وبقايا جيش ابن حافظ الأسد على الفصائل المسلحة، وعلى الشعب الأعزل، كانت المساجلات والمراهنات تبدأ حول أي المنطقتين سيَنقل إليها المحور الإجرامي قواتِه، ويباشر عمليات الإبادة فيها، أهي درعا أم إدلب؟
درعا وإدلب، كما يعلم الإخوة المجاهدون، مصنفتان منطقتي "خفض تصعيد"، وهذه المناطق كانت، من وجهة نظر معينة، مخططا جغرافيا وديمغرافيا متفقا عليه بين الجهات غير السورية الفاعلة في الشأن السوري، توضع بموجبه الفصائلُ المسلحة (ومعها الشعبُ الأعزل) في وضعية الانتظار، ريثما تنتهي قواتُ المحور الإجرامي مِنْ قتل أبناء منطقة أخرى، وتهجير قسم كبير من أهلها الآمنين إلى إدلب، ثم يجلس الروس والإيرانيون وقادةُ حزب الله وسهيل الحسن، ويتشاورون لتحديد أي واحدةٍ من مناطق خفض التصعيد المنتظِرة قد أينعت، وحان قطافها، وشوهدت الدماء بين لحى رجالها، ليبدأ الدَجُّ فيها، والخَبْطُ، والهَبْدُ، واللَبْد، ويهرع الأهالي الأبرياء، ليجمعوا بعض أواعيهم و(كلاكيشهم)، ويهربوا بجلودهم ونسائهم وأطفالهم، إلى دهاليز أرض الله التي كانت واسعةً ثم ضاقت، ومَنْ لَمْ يُفلح في الهرب يُصبح مرغماً على الاستفادة من الاتفاقيات والمصالحات التي تلتزم بها جبهة النصرة (ما غيرها) مع الجانب الروسي، أو الإيراني، أو مع علي حيدر (وزير شؤون المصالحة الوطنية في حكومة النظام)، ويتابع طريقه، مع "بقجة" أمتعته وكلاكيشه، إلى محافظة إدلب.
خلال فترة انتظار وصول الطيران المعادي، ومباشرته بحصاد أرواح المدنيين المقيمين في منطقة خفض التصعيد المتبقية (إدلب)، لا يمكن أن يقعد الإخوة المجاهدون مكتوفي الأيدي، فتراهم يستهلكون الوقت في شيءٍ مفيد، مثل فكّ عوارض السكك الحديدية، وجمع الغنائم من بيوت الناس الذين اضطرّهم هذا الوضع الكارثي للهرب بجلودهم، وخطف طبيبٍ من هنا، وتاجر من هناك، و(ناشط عَلْماني كلب!) من هنالك. وهذا كله لا يُعيقهم عن فحص إيمان الفصائل المقاتلة الأخرى، فالفصيل الذي لا يعجبهم إيمانُه يصنّفونه في خانة الكفار، أو الخوارج، ويبدأ فيه وبأهله الدَجُّ والخَبْطُ والهَبْد واللَبْد، ويُسْتَوْلَى على أسلحته وذخائره، ويُسجن أفراده في سجن التوبة، مع أن التوبة ليست متاحةً لكل مَن هَبَّ ودَبَّ من المشركين والخوارج والشبّيحة والضفادع والحالمين بحضن الأسد المجرم، فالإخوة المجاهدون يعرفون ما في داخل النفوس، ويميّزون الغثّ من السمين، ولديهم مقدرةٌ بصريةٌ خارقة، يستطيعون بموجبها، وبنظرةٍ واحدة، أن يعرفوا كم سنتمتراً يرتفع معطفُ الأخت المؤمنة عن الأرض، فإن تجاوزَ ثلاثةَ سنتمترات يرسلون إليها مجموعة من الأخوات المجاهدات يأمرنها بالتطويل، ويُفهمنها أن التقصير يفتح المجال للشيطان ليفتك بنفوس المجاهدين ويخرّبها.
لا يشتري الإخوة المجاهدون فكرة التوازن العسكري مع الأعداء بقشرة بصلة، فمع أنهم لا يمتلكون مضادّات للطيران، يصرّون على أنهم قادرون، بأسلحتهم البرية، على قهر المحور الإجرامي، وإجباره على الاستمرار بقتل المدنيين أطول فترة ممكنة، قبل توقيع معاهدة الاستسلام.
لا تقبل جبهة النصرة المحترمة أيةَ نصائح توجه إليها بحلّ نفسها، أو فكّ ارتباطها مع تنظيم القاعدة، لأن من شأن مثل هذه النصائح وَهْن عزيمة الأمة، ومحاربة فكرة الدولة الإسلامية، وتشكيل تنظيم مسلح يخطط لقلب نظام الحكم النصراوي. والأهم من هذا كله أن النصيحة تقطع الطريق على العمل العظيم الذي نذرت جبهة النصرة، والتنظيمات الشبيهةُ بها، نفسَها لتحقيقه، وهو تأمين "الشهادة في سبيل الله" لتشكيلة واسعة من الأهالي المدنيين، من شيوخ، وعجائز، وأطفال مثل أزرار الورد. بمعنى آخر، هذا الناصح الخبيث يقف في سبيل سعادة هؤلاء الناس، وهو، لذلك، آثمٌ قلبُه.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...