انكسارات نفسية

انكسارات نفسية

13 اغسطس 2018
+ الخط -
لم يكن لدي أدنى تفكير، في لحظة ما، أن تكون الحرب على مقربة مني أو من مكان إقامتي، تفاقمت الأحداث وتزاحمت، وعلى شواطئ الضعف تكونت انكساراتي، أو أنني لم أعايش الحرب إلا عندما طالت مكان إقامتي. وعلى الرغم من ذلك، تحطمت الأيام وبدأت ذكرياتي، هذه الذكريات تركتها بداخلي دون تعبير لها أو حل ينهيها، اعتدت على لزوم الصمت في الأحوال كافة، حتى وإن جارت الأيام علي، أو جار أحدهم علي، هذا ما عايشته سنوات طوالا كنت فيها المتلّقي، والآن أحاول إخراج ما تلقيته.
لم أعتد على نقد بعضهم وأفعالهم التي يقومون بها ضد المدنيين في سورية، ولست ناقداً لأحد فيما أكتب اليوم، وإنما تعبير عن رؤية شخصية لاحظتها وبقيت في داخلي، تصارع صمت الكلام وأوجاعه.
في أواخر عام 2015، تعرّضت لموقف من جهة أمنية في المدينة التي أنتمي إليها، هذه الجهة نفسها لم تكن على قدر المسؤولية تجاه العمل الذي تبنته.
مساءً، في أحد أيام أغسطس/ آب 2015، كنتُ أبحث عن والدي في المنزل، لأطرح عليه بعض الأسئلة حيال وضعنا، وكيف سننقل العائلة إلى مكان أكثر آمناً في أثناء اقتراب تنظيم داعش من مدينتي، اتجهت نحو باب المنزل، أتفقد أثر والدي.
ومع فتح الباب، رأيت عشرات العناصر وعددا من السيارات في حملة أمنية كما يدّعون، ينتشرون حول منزل على مقربة من منزلي. اتجه نحوي عناصر ملثمون، طُلب مني خفض رأسي، ووضع يدي على رقبتي، ثم اقتادوني إلى منزل بجوار منزلنا، وضع وجهي بمواجهة الجدار، خشية أن أراهم ماذا يفعلون، اعتقال أشخاص مشتبه بهم في الحي الذي أقيم به.
كنت أعتقد حينها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كان هو من اعتقلني، هنا كان الصمت ملازماً لي، لأنني سأكون ضحية رخيصة لتنظيم داعش، ومصير مشابه لكثيرين. لم أعلم أنها جهة أمنية من ذات المدينة، تعاملن معي وكأنني مجرم!
وبالفعل، حينها حملت حقدًا في نفسي على الجهة التي أصبحت فيما بعد أسوأ جهة أمنية رخيصة في المنقطة التي أقيم. لا أعلم كم استحقرت نفسي في هذه الأثناء، لأنني لا أحتمل هذه المعاملة، انتظرت نحو النصف ساعة، كان والدي وشقيقه يجلسان بجوارنا يطلبان منا، أنا وابن شقيق أبي، أن نبقى صامتين حتى ذهابهم. لم أتكلم خشية أفعالهم أو التهمة التي من الممكن أن أرمى بها، وهي جاهزة للتلفيق، فتهمة "داعشي" كانت رائجة في تلك الفترة.
منذ ذلك الوقت، يدور الحديث بيني وبين نفسي: لماذا تعامل النظام مع المدنيين يصاحب تعامل هذه الجهات التي في مناطقنا؟ أدركت، بعد برهة، أنه إن لم يكن الشخص مؤهلاً علمياً ودينياً، أنه لا يجب أن يستلم السلطة، لأن مكانه ليس هنا، فإن كانت قيادتك جاهلة، إنّ مصيرك الفشل.
تسلّم السلطة في مناطقنا أشخاص جهلة لا يفقهون شيئاً لأنهم رواد مناصب، يفعلون ما يشاؤون عبثاً في المنطقة، ويكون المدنيون فيها أبرز المتأثرين، لم أكن في تلك الفترة على قدر المسؤولية عن كلامي، لا أعلم لماذا، إلا أنني كتبت هذا المقال الآن دون رادع.
وهنا لا أحاول تبرير ما فعلته تلك الجهة التي تعتبر نفسها أمنية، إلا أنها أرحم من ناحية ما، ما فعله النظام ومليشياته ضد المعتقلين. ولكن هذه الجهة تشبه النظام، لأن هذا ما تعلموه من النظام، خلال سنوات طويلة مضت، فما مدى تأثرهم بالنظام؟
علمت لاحقا أن الشخص الذي كان يقود الجهة التي تشن الحملة على رواد داعش، اعترف بعلاقته الوثيقة مع التنظيم، وعن اتصاله المباشر مع أمراء التنظيم. إلا أن قربه من قيادات المنطقة برّأه من التهمة!
كان تغلغل التنظيم فيما بيننا سبباً لخسارتنا. وكان لرواد النظام دورهم في المنطقة أيضا، إلا أن بعض المسؤولين لا زالوا يتحكّمون في القضاء والشؤون المدنية نظراً لنفوذهم.
دارت الأفكار في ذهني، حتى خرجت في وقت غير مناسب مع انكسارات الثورة السورية، لكن الأوجاع آن أوانها لأننا بحاجة إلى صدق، لتغلب على انكساراتنا النفسية والخارجية لنيل الحرية، ولا يمكننا نيلها، حتى التخلص من الضفادع التشبيحية والداعشية عندنا.
B596A27C-4CCE-42ED-BACD-ECEEA1E2ABC3
B596A27C-4CCE-42ED-BACD-ECEEA1E2ABC3
حسين خطيب (سورية)
حسين خطيب (سورية)