ترفيع الحمار إلى حمار وحش

ترفيع الحمار إلى حمار وحش

02 اغسطس 2018
+ الخط -
الخبر الذي طار في الإعلام العربي، ثمين وطريف، يتعلق بشؤون التطوير والبحث العلمي والهندسة الوراثية، ومضمونه أنّ زواراً لحديقة حيوانات القاهرة كشفوا مؤامرة تدخل في باب الكماليات والتحسينات، فقد تبيّن لهم أنّ الحمار المخطّط ليس وحشياً. وقد كُشف لسببين؛ أن زوّار الحديقة يعرفون أنّ حمير الحديقة أهلية، وأن "ماكياج" الحمار ذاب على وجهه، وانكشف أمره في حرِّ الشمس من الخجل. فالرجاء "قولوا لعين الشمس ما تحماشِ".
وفوجئنا بأنّ رتبة مدير الحديقة لواء أركان حرب. وزعم الخبر أنّ سيادته فوجئ بتلك المؤامرة الدنيئة، ودعا إلى تحقيقٍ عاجل. وإذا صدق التحقيق، وعدل القضاء الموصوف بالشامخ في الحكم، فسيتهم أحد الموظفين المساكين بالعبث بالأمن القومي للحديقة.
لعل السبب في المؤامرة أنه في الحروب القديمة بين القبائل البرية، وفي أفلام السينما الأميركية التي حذت حذوها، كان المحاربون يضعون خطوطاً وأصباغاً على وجوههم، للتمويه، وإثارة الرعب. وربما يكون السبب في دهن الوجوه تقليد الحيوانات، مثل قردة الربّاح التي تتغير ألوان وجوهها في مواسم التكاثر، وتكثر الحروب بين الذكور على الإناث. لنتذكر أنّ مصر تحارب الإرهاب.
رأيت أمس صحافياً مخططاً غير عادي، معروفا ومشهورا، ومن المهم ذكر جنسيته الفلسطينية، على تلفزيونٍ مقاومٍ وممانع في برنامج خصّصته الفضائية للحديث عن التحديات التي يواجهها الفريق المشير المخطط: فذكر أمرين، الاقتصاد والإرهاب، وانتظرت أن يذكر تحديات غزة وفلسطين وصفقة القرن، لكن الدهان كان قد ساح على وجهه من غير شمس. الرجاء مرة ثانية: قولوا لعين الكاميرا ما تحماش.
وإذا كان المحقق الموكل بالتحقيق والقاضي ممن لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا نادرٌ جداً، بسبب الشموخ، وأقرّ بأن الحمار حمار عادي، دُهن بالصباغ، فإنّ سيادة اللواء قد يزعم أنه كان يمارس التمويه، وأن الحرب خدعة، وأن الحمار الوحشي يجذب "اللايكات"، ومصر بحاجةٍ إلى كل "تعريفة" وفكّة، وقد يذكر أنّ الحمار كان قد نهض من نومه ولا يزال بالبيجامة. ربما يزعم أن قلبه رقّ فتطوع، فحنا على الشعب، لقد وجد الشعب من يحنو عليه، فحمار الوحش المخطّط يفرح زوّار الحديقة في هذه اللحظة الحرجة أكثر من الحمار الأهلي "السادة"، أيها السادة.
يذكّر الخبر بأمرٍ لطالما شكت منه دوائر القرار العربية: هو غياب التخطيط، ويقول: إنّ دائرة حديقة الحيوانات تخطط وتلوِّن، بل إنّ دوائر القرار العربية ومربعاتها وأشباه منحرفاتها لم تكن تعمل إلّا في الصباغ والدهان، وفنِّ التخطيط، كانت تدهن القرارات: الهزيمة العادية تجعلها نكسة مخططة، الاحتلال الصافي تجعله تحريراً وحريراً ملّوناً، الشعب عدواً، حروب التحريق تسميها حروب تحرير، جحيم الوطن تسميه حضن الوطن، السيد المجرم تسميه القائد العظيم.
جرى أمس في سورية تخطيط وتلوين من نوع آخر، تمهيداً "للمهرجان السادس للألعاب العسكرية الدولية" سمّاه النشطاء "مونديال الدبابات الملونة"، فرأينا الدبابات تؤدي رقصاتٍ عسكرية، الدبابة الأنثى ترقص فالس مع المدفع الذكر، تحت إشراف الروس الذين تنازلوا عن كبرياء دولة عظمى، إكراماً للرئيس الأسد الذي تنازل لهم عن حكم سورية، تحت شعار: "روسيا تتعلم من الجيش السوري". ودبكت الدبابات الملونة بالأزرق، على جثة شعبها. وها هي ذا تؤدي رقصة النصر بالألوان.
هل سمعتم بالتبول اللاإرادي؟ هذا الغش العام العميم يكاد أن يكون لا إرادياً. أما المضحك حقاً فهو أن ترى حماراً أهلياً في حديقة الحيوانات، فالحمار هو أكثر الكائنات حضوراً في شوارع القرى والمدن العربية، وفي المشهد العام من الفضائيات إلى الماشي في عين الشمس على السجاد الأحمر.
اللون ذائب من زمان على وجوه قادتنا المنتخبين، في هذه الحديقة الكبيرة الممتدة من المحيط إلى الخليج، لكننا نُغضي، بالقوة طبعاً.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."