عمران خان.. أكثر من حالة شعبوية

عمران خان.. أكثر من حالة شعبوية

01 اغسطس 2018

عمران خان يلقي خطابا في لاهور(25/7/2018/فرانس برس)

+ الخط -
مع فوز لاعب الكريكيت السابق، وزعيم حزب "تحريك – إنصاف"، عمران خان، بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية في بلاده، توشك باكستان على دخول مرحلة جديدة، يمثل فيها خان النسخة الباكستانية من المد الشعبوي الذي يجتاح العالم هذه الآونة، لكنه قد يقود، من جهة أخرى، تغييرات عميقة في سياسة باكستان الخارجية، تؤثر على موازين القوى في شبه القارة الهندية وعموم آسيا، فباكستان ليست دولة قليلة الأهمية، وعدا عن أنها سادس دول العالم من حيث السكان، هي قوة نووية، ولديها خامس أكبر جيوش العالم، وتقع بين قوتين نوويتين، ترتبط بهما بعلاقات معقدة، هما أول العالم وثانيه من حيث السكان (الصين والهند). كما أنها تجاور كلا من إيران وأفغانستان، وتقع سواحلها على بحر العرب وبحر عمان، ما يعني أنها تدخل في حسابات ثلاثة موازين قوى في المنطقة، وهذا أمر استثنائي في موقع أي دولة اقليمية، فهي جزء من موازين القوى بين الصين والهند، وبين الولايات المتحدة والصين، وبين العرب وإيران.
ويسري اعتقاد كبير أن الجيش الباكستاني الذي حكم البلاد مباشرة نصف عمرها، منذ انفصالها عن الهند عام 1947، وبشكل غير مباشر في النصف الآخر، مهّد الطريق أمام فوز عمران خان، سواء بالتزوير، أو بإقصاء خصومه السياسيين، وآخرهم رئيس الوزراء السابق، وزعيم حزب الرابطة الإسلامية، نواز شريف، والذي صدر حكم بسجنه بتهم فساد قبل أسبوعين فقط من إجراء الانتخابات.
ويُنظر إلى عمران خان باعتباره خصما شرسا للولايات المتحدة، ويعتقد أن الجيش جاء به، ليعيد من ورائه النظر في علاقات باكستان الإقليمية والدولية، فالجيش يريد الرد على سياسات ترامب شديدة العداء لباكستان، بما فيها قطعه مساعدات عنها وتوجيه تهديداتٍ لها بزعم دعمها الإرهاب، وإنشائه علاقات تحالف استراتيجية مع عدوتها اللدود، الهند. يردّ الجيش الباكستاني منذ فترة على هذه السياسات بتعزيز العلاقات مع الصين. ويشارك عمران خان الجيش هذا التوجه، إذ يرنو بإعجاب إلى النموذج التنموي الصيني الذي "انتشل مئات ملايين الصينيين من الفقر، ويمكنه أن يساعد في فعل الشيء نفسه في باكستان". صحيحٌ أن باكستان قوة نووية وعسكرية معتبرة، لكنها دولة فقيرة، إذ لا يتجاوز ناتجها الإجمالي القومي 303 مليارات دولار (تأتي بعد إيران ونيجيريا والفيليبين، ولا تسبق سوى بنغلادش ومصر بين الدول ذات الكثافة السكانية العالية). ومقارنةً بالقفزات التي حققتها جارتها الهند في مجالات التنمية والتعليم والصناعة، تعد باكستان متأخرة، ولذلك ترنو إلى الصين للمساعدة في ردم هذه الفجوة.
بالمثل، تنظر الصين إلى باكستان باعتبارها جزءاً مركزياً من مشروعها "الحزام والطريق"، والذي يعدّه بعضهم واجهة اقتصادية لمشروع هيمنة صينية. وتأمل الصين، بتحالفها مع باكستان، وحتى تحويل الأخيرة إلى دولة تابعة، بحسب بعضهم، إلى تغيير موازين القوى جوهريًا لصالحها في عموم آسيا. وتعد باكستان جزءًا من استراتيجية بكين لمواجهة التحالف الهندي - الأميركي المتنامي، وأملها شبه الوحيد في الالتفاف على السيطرة الأميركية على طرق التجارة البحرية من الصين وإليها عبر مضيق ملقة وبحر اندامان. ولهذا مولت الصين عملية بناء ميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب. العداء الأميركي لباكستان، والاقتراب الصيني منها، يمهدان الطريق أمام تقارب بين باكستان وإيران، يساعد عليه التقارب الكبير الحاصل بين الإمارات والسعودية من جهة والهند من جهة أخرى (حجم التبادل التجاري بين الهند والإمارات 57 مليار دولار)، ما يعني أننا بصدد تحولات جيوسياسية، لها انعكاسات كبيرة على منطقة الخليج.
منذ تأسيسها عام 1947، مثلت باكستان حليفا استراتيجيا لدول الخليج العربية، خصوصا للسعودية، التي كانت لاعبا مهما في سياسة باكستان الداخلية، ويعتقد أنها مولت برنامجها النووي، لكن العلاقات شهدت، في العقود الأخيرة، خصوصا منذ أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، تغييرات مهمة، اتضحت بجلاء في رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن. ومع أن الجيش الباكستاني أكد، منذ ذلك الحين، التزامه بأمن "الحلفاء" الخليجيين، إلا أن عمران خان الذي لا تربطه علاقات خاصة بالخليج قد يبحر بعيدًا في علاقات باكستان الإقليمية والدولية، ليكون أكثر من مجرد نسخة باكستان الشعبوية.