الأردن.. ماذا بعد؟

الأردن.. ماذا بعد؟

18 يونيو 2018

مشهد من جبل القلعة في عمّان (8/6/2018/فرانس برس)

+ الخط -
أما وأن خمسة عشر وزيرا ورثتهم الحكومة الأردنية الجديدة، برئاسة عمر الرزاز، من حكومة هاني الملقي، المقالة تحت ضغط شعبي معلوم، فذلك يسوّغ أرطال الإحباط والخيبة التي أصيب بها غالبية الأردنيين، وعبّروا عنها في أحاديثهم الساخطة في عطلة العيد، وكما أظهرتها تعليقاتٌ وفيرةٌ في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دلّ على أن السمعة الطيبة التي يحوزها الرزاز ليست كافيةً لتشفع له التشكيل الحكومي الذي جاء به، والذي كان متوقعا أن لا يزيد فيه عدد الوزراء المجدّد لهم عن سبعة (في أسوأ الحالات)، كما نُقل عن الرزاز نفسه، في مأدبة إفطار في منزل أحد النواب. ومع القناعة بأن كفاءاتٍ طيبةً ضمّتها حكومة مشروع قانون ضريبة الدخل التي أزيحت، وأن من هذه الكفاءات، محلّ التقدير، من انتقلوا وزراء في الحكومة الراهنة، إلا أن ترحيل خمسة عشر وزيرا إليها لا يعني، على الأغلب، غير أمر واحد، مرجّح، هو أن الدكتور عمر الرزاز أخفق في أول اختبارٍ له أمام الجمهور العام، وأن قوى الشد العكسي، والأوزان النافذة في الدولة الأردنية العميقة، في مؤسساتٍ معروفةٍ في السلطة، استطاعت أن تفرض حصصها في قرار تشكيل الحكومة، ما يُنبئ بأن في وسع هذه القوى والأوزان أن تحرز لنفسها لاحقا الحضور الذي تريد.

ولكن، ليس الباحث الأكاديمي والتكنوقراطي الخبير، والموظف الدولي الرفيع، عمر الرزاز، مسؤولا عن الانتظارات الكبيرة التي افترض الرأي العام الأردني قدرتَه الخارقة على تأديتها. وليس مسؤولا عن رهاناتٍ في أدمغة الناس، فصناعة القرار في تدبير (المفردة مستعارة من النقاش المغربي) الشأن العام، وفي أثناء الحُكم، وسط حساباته وصعوباته وتفاصيله العويصة، ليست كما صناعة القرار في إدارة نادٍ رياضي أو فرقةٍ مسرحية، ولا حتى كما في تسيير مصنع سيارات. وقد أبلغ الرزاز نفسُه الأردنيين، أمس، أن الطريق صعب وطويل. ولا يحتاج معلقٌ متعجّل، كما صاحب هذه الكلمات، إلى الإتيان على الحال المالي الصعب الذي تغالبه الخزينة الأردنية، ولا الظروف العامة، البالغة العسر التي يُكابدها الأردن عموما، جرّاء عوامل داخلية متراكمة منذ عقود، وأحوالٍ إقليميةٍ محيطةٍ تعيسة، فقد قُتلت هذه وتلك تداولا. ومقصد هذا الكلام أن حكومة الرزاز لا تستطيع أن تخفّض سعر أي سلعةٍ، ولا أن تحدّ بشكل كبير من البطالة الباهظة. وإذا كان الوعد الوحيد الذي أشهره الرجل أمام الأردنيين هو إعادة النظر في مجمل النظام الضريبي والجبائي في البلاد، فذلك طيّب لا ريب، غير أن الشيطان الذي في التفاصيل يمكن أن يُباغتنا بما لا يُريح، سيما وأن حديث الضرائب، في الأردن تحديدا، يحتاج إلى عقلٍ في سوية عقل أينشتاين لاستيعابه.
وعدٌ آخر تلقاه الأردنيون من رئيس الحكومة الجديد الذي أمطروه بآمالٍ تبعث على التعاطف مع شخصه، أن ينتظروا "تغييرا في النهج"، وكأنه يوصيهم بأن لا يكترثوا بالوزير فلان والوزير علان، في ردّ على المؤاخذات الغزيرة على الإتيان بوزراء مجرّبين في غير ملف، من حكومة الملقي المطاحة ومن غيرها. ويمكن التذكير بشأنٍ انشغل به الرزاز، وهو تحقيق "عقد اجتماعي عربي جديد"، والمؤكد أن الأردنيين يشتهون هذا العقد الذي ألحّ عليه في دراسةٍ له معمقةٍ، أنجزها قبل ست سنوات، وأعاد "العربي الجديد" نشرها أخيرا. ولا يملك الأردنيون سوى الانتظار، قبل أن يأنسوا إلى التظاهر والاحتجاج، من باب أن الحكومة الجديدة (أو المتجدّدة؟)، ذات الحمولة الزائدة (28 وزيرا!) لم يتبيّن خيرُها من شرّها بعد، ومن اللائق أن تُقابل التحيةُ بأحسن منها، سيما أن ثمّة من الوزراء، القدامى والجدد، من يستحقّون تفاؤلا بهم، من دون إفراطٍ طبعا. أما من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، فليزاول ما يشاء من اعتراض، وعلى صدر الحكومة أن يكون واسعا، وهي التي قدم إليها وزراءُ ووزيراتٌ من مظاهرات الدوار الرابع، بل يُؤمل منها أن تحتمل كل الاجتهادات والانتقادات، أيا كانت حدّتها، فالإحباط ثقيل، والاحتقان ما زال غير هيّن، ونقيب الأطباء الأردنيين "مشمئزٌ" و"مصدومٌ" من حكومةٍ جاءت من الصندوق نفسه ...
على أيِّ حالٍ، لننتظر ونرَ.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".