نحن و"طايع" و"نسر الصعيد"

نحن و"طايع" و"نسر الصعيد"

13 يونيو 2018
+ الخط -
ذكرت إحصائية للشرطة الفلسطينية أن أكثر من 410 حوادث مرور وقعت في الضفة الغربية وحدها، خلال الأيام العشرة الأوائل من شهر رمضان  الذي بدأ يعتزم الرحيل، فيما لم يتوقف رُوَّاد مواقع التواصل الاجتماعي عن التهكُّم على زيادة المشاحنات والمشكلات بين الناس، خلال شهر رمضان، على الرغم من أن الشياطين تُصَفَّد خلاله. ولكن يبدو أن الجميع تأكَّد أن "لا شيطان إلا بنو آدم".
لم يعمّ السلام، ولم ترفرف أجنحة البشر، إذن، خلال شهر رمضان الفضيل الذي يشهد مظاهر عنفٍ مختلفة حولنا، لكن مصدر العنف الأول هو تأثُّر الناس بمسلسلات الدراما الرمضانية التي تنشر الدماء والموت والرصاص، حتى إنك حين تفكّر بالجلوس أمام الشاشة الصغيرة، بعد الإفطار، تحسُّ بحاجتك الماسّة إلى أن تقرأ الشهادتين على نفسك؛ خوفاً من رصاصةٍ طائشةٍ قد تصيبك من الشاشة التي أمامك.
يعيش صُنَّاع دراما رمضان أزمة ورق، كما يعبِّر عنها النُّقَّاد، منذ سنوات. ولذلك، هم يسيرون على الثيمة نفسها؛ نتيجة فقر اطّلاع كتَّاب القصة والسيناريو على الثقافات الأخرى المتنوِّعة، ولا يفعلون أكثر من تصدير بطل، كل عام، مثل الأسطورة محمد رمضان في العام الماضي. وفي هذا العام لم يقدم هذا الأسطورة جديداً، سوى استغلال نجوميته، فلم يقدِّم، مع صُنَّاع مسلسله "نسر الصعيد"، إلا محاولة تقليد النجم أحمد زكي، فتحوَّل إلى مسخ، لا بطل. ولاحِظوا أنَّ زجّ كلمة الصعيد في أيِّ عنوان لعمل درامي يكون وحده كافياً؛ ليسرح خيال المشاهد بما ينتظره، من مشاهد الموت والثأر والتربُّص، والغباء المضحك للصعايدة، والذي لا وجود له على أرض الواقع، فخيرة علماء مصر وأدبائها وشعرائها يتحدرون من الصعيد. ونافس مسلسل "طايع" مسلسل محمد رمضان؛ ليقدِّم لنا حكاية دموية ليست جديدة عن الصعيد، وهي الثأر، وسرقة الآثار.
في مسألة العنف المصدَّر من الشاشة الصغيرة، نحن أمام مشكلة البطل الواحد، لا البطولة الجماعية التي هي سرُّ نجاح المسلسلات الأجنبية، لكن كُتَّاب الدراما لا يزالون ينقلون إلى المشاهد ما يبحث عنه في الواقع، وهو وجود بطلٍ في حياته، يسير خلفه مهلِّلاً وهاتفاً، كأنه لا يستطيع أن يتجرَّع حياة الفقر والذل، من دون أن يكون في حياته نجم، لاعب كرة قدم يطبع صورته على فانوس رمضان، مثل محمد صلاح، وأسطورة تحتل صورتُه واجهة المقهى الشعبي، مثل محمد رمضان بلباسه الغريب، واستعراضه العجيب ثروته وثرائه.
والمفترض أن رمضان هو شهر طاقة إيجابية، نحن بحاجة لها، لكننا نخدشها، بل نهشِّمها بمشاهدة هذه النوعية من المسلسلات التي تحمل العنف، حتى في عنوانها، مثل مسلسل "سلسال الدم"، و"ضد مجهول"، والذي تشهد حلقاته الأولى حالةَ اغتصابٍ وقتل، وما يصحب ذلك من بكاء وعويل، و"عوالم خفية" الذي تبدأ المشاهد الأولى منه بمشهد انتحار فنّانة شهيرة.
مثلا، عُرِض، قبل فترة قصيرة، مسلسل صينيٌّ عنوانه "حياة سعيدة". تخيَّلوا جمال الاسم ورقّته، وما يبعثه في النفس من أملٍ وراحة، لكن أحداثه تدور في إطار كوميدي عن المشكلات الزوجية التي يسبِّبُها تدخُّل والدي الزوجين الشابَّين بهما، لكن ذلك لم يمنع أن يتم اختيار عنوانٍ لطيف لمسلسل يعجُّ بالصِّراعات الأُسرية.
لا تحتاج مسلسلات رمضان، كلَّ عام، إلى اجتهاد كثير في كتابتها؛ لأن قصصها مكرَّرة، وأبطالها يقضون العام كلَّه في شدِّ وجوههم، وحقن بشرتهم بالبوتكس، سابقين بذلك الفنّانات؛ لكي يطلُّوا علينا، خلال هذا الشهر الكريم، ونحن أشدُّ ما نكون لغسل قلوبنا، وشحن أنفسنا بطاقةٍ إيجابيةٍ نستمدُّها من روحانية الشهر. ولست أدري حتى بلغتُ هذا العمر أيّ علاقة بين المسلسلات وشهر رمضان؛ فالإنتاج الفنِّي والدرامي يصاب بـ"الإسهال"، ويصدّر لنا الغُثاء، وتقتل كلّ القيم التي يدعو لها الشهر من تراحم وترابط، ففي وقتٍ يُمنَع فيه الطلاق في فلسطين، خلال رمضان، علينا أن نحصي حالات الطلاق الدرامية التي وقعت، منذ بداية الشهر حتى نهايته في مسلسلات رمضان.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.