الصفقات الإجبارية فاشلة

الصفقات الإجبارية فاشلة

02 ابريل 2018
+ الخط -
لا تزال إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تُجري اتصالات ومشاورات متعدّدة الأطراف، لعقد صفقات تاريخية، والتوصل إلى حلولٍ وتسوياتٍ شبه نهائية، لمعضلات وقضايا استعصت على الحل عدة عقود في الشرق الأوسط، تتصدّرها القضية الفلسطينية. وتشير التسمية التي أطلقت على تلك الحلول المقترحة "صفقة القرن" إلى أهمية تلك الصيغة المحتملة للحل ومفصليتها. لكنها تعكس أيضاً الفلسفة التي تنطلق منها، وهي أن البراغماتية والقابلية للتنفيذ على الأرض هي مفاتيح الحل، وليس بالضرورة المبدئية والصيغ المحكومة بأطر ومرجعيات وسقوف محدّدة، أيديولوجية كانت أو فكرية أو دينية أو غير ذلك.
معلوم أن أهم أسباب هذا الحراك نحو حلول وصفقات هو العامل الخارجي (الأميركي خصوصاً). بعد أن كانت واشنطن، وبقية القوى الكبرى، في الأعوام القليلة الماضية، تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في النزاعات والمشكلات الإقليمية، خصوصاً تلك المتجذرة ذات التعقيدات والجوانب المتداخلة، تاريخياً واجتماعياً ودينياً. كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، ومن حولها الدائرة الأوسع في الصراع العربي - الإسرائيلي. وهو ما ينطبق، وإن بدرجة أقل، على أزماتٍ نشبت حديثاً، كما في حالة الأزمات السورية واليمنية، وأيضاً في ليبيا. في كل من تلك القضايا، كانت القوى العالمية تكتفي بحد أدنى من المتابعة والتنسيق مع الأطراف الإقليمية المعنية. ولم يسفر هذا التوجه عن حلول أو تسويات، بل أثبت أن الأطراف الإقليمية تتجنب إبرام تسوياتٍ، تضطر فيها إلى تقديم تنازلات ما دامت غير مضطرة.
وهنا تأتي أهمية دلالة التحركات والاتصالات الجارية لصياغة تسوياتٍ تاريخية في الشرق الأوسط، فالحضور العالمي، وتحديداً الأميركي، يضمن إجبار الأطراف الإقليمية على التفاوض، وقبول حلول وتسويات.
لكن توفر العنصر الضاغط لا يضمن بالمرة أن تكون التسويات والحلول المحتملة ناجحة وقابلة للبقاء. وهنا تبرز أهمية أصحاب القضية الأصليين ومحوريتهم، ثم الأطراف الإقليمية التي تضطلع بأدوار تنفيذية. ولهذه الأدوار أهمية قصوى في ضمان نجاح الأفكار والمقترحات المطروحة، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث الوضع متشابكٌ بما يجعل من كل دولة أو طرف إقليمي رقماً مهماً في معادلة الحل، كما في معادلة الحرب. وما لم يكن لدى هذا الطرف أو ذاك قبول للعملية برمتها، بإمكانه التظاهر بالقبول وإبرام اتفاقات، ثم تعطيلها بالمماطلة في التنفيذ أو الاكتفاء بمظاهر شكلية تفرغ التسوية من جوهرها. وفي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية مثال على ذلك، فبعد استعادة سيناء، ظلت بقية البنود، خصوصاً ما يتعلق بالتطبيع، مجرد التزام مكتوب، من دون تنفيذ.
وبالمنطق نفسه، وأياً كانت مضامين صفقة القرن في الشرق الأوسط وتفاصيلها، وعلى الرغم من التسليم بأن العامل الخارجي هو المحرّك الرئيس في الملفين، يظل نجاح أي تسوية وديمومتها رهن قرار وحسابات أطرافها بالأساس، فالمفتاح النهائي والمحدد الأول لاكتمال تلك التحولات التاريخية المحتملة أو إخفاقها هو مدى تلبيتها شروط النجاح الموضوعية، وليس الاكتفاء فقط بوجود قوى دافعة أو أخرى مساعدة. وفي مقدمة تلك الشروط الموضوعية، العدالة. فكل المشكلات والصراعات المتجذرة، سواء في الشرق الأوسط أو غيره من مناطق العالم، قامت بسبب احتلال أرض أو استيلاء على موارد أو انتهاك حقوق شعب. ولا يعني مرور سنوات أو عقود، من دون تصحيح الأوضاع، أن حلولاً غير عادلة أو تسويات تقفز فوق الحقائق ستكون قابلة للاستمرار فضلاً عن التطبيق أساساً. ومنطق المصالح والحسابات البراغماتية المجردة من المبادئ والمنعزلة عن مقتضيات الحق والعدل، هو منطق مُفتعَل يحمل داخله أسباب إخفاقه. وأياً ما كانت موازين القوى ومواقف الأطراف التي تخضع لها، فإن حركة التاريخ تفرض إرادتها ومصائر الشعوب تتحدّد، في النهاية، بما تتمسّك به، وتعمل من أجله، وليس بما يُعرَض، أو يُفرَض، عليها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.