قبل الاستفتاء المقبل في مصر

قبل الاستفتاء المقبل في مصر

31 مارس 2018
+ الخط -
قبل أشهر، أثار نوابٌ في البرلمان المصري (على الأرجح كفقاعات تجريبية موجهة) اقتراح تعديل الدستور لمد فترات الرئاسة، لكن سرعان ما تم دفن الموضوع.
أخيرا، وقبل أن تُغلق الصناديق يبدو أن الجوقة تستعد للعزف من جديد، وهذه المرة أطلق رصاصة البدء الدكتور مصطفى الفقي، مستشار حسني مبارك سابقاً، باعتبار أن ثماني سنوات "فترة قصيرة جداً".
واقعياً، يبدو أن الأوضاع الداخلية والخارجية مغرية بذلك، تم توجيه ضرباتٍ متتاليةٍ للمعارضة ورموزها بطريقة الصدمة والترويع. ومن الزاوية الخارجية، تبقى مصر واحة للسلام والاستقرار، قياساً بدول أخرى بالمنطقة.
في هذا السياق، يأتي مقال كتبه الدكتور توماس باركر، والذي عمل سابقاً في وزارتي الخارجية والدفاع وفي الرئاسة الأميركية، في موقع معهد واشنطن، رداً على مقال للصحافي المصري ماجد عاطف عن الانتخابات. ذكر بصراحة كاملة: "لا تريد الولايات المتحدة أن تقوّض علاقاتها مع زعيم سياسي، مثل الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي سيبقى في السلطة. لذا لا بدّ من التساؤل عن جدوى انتقاد عملية انتخابية نتيجتها مؤكدة.. قد تكون لدى الولايات المتحدة أولويات أخرى". ويلخص هذه الأولويات في مسألة كوريا الشمالية التي يمكن أن تساعد بها مصر، وثانياً احتمالات أن تؤدي أي انتخابات ديمقراطية إلى فوز "الأحزاب الدينية المستبدّة المعادية للولايات المتحدة"، ضارباً المثل هنا بحركة حماس 2007 وجماعة الإخوان المسلمين 2012، وهو موقف أكثر يمينيةً من مواقف دوائر أخرى في أميركا أقل حِدة في تصنيف "الإخوان".
ولهذا، لن تعبأ أميركا (والغرب) بالانتخابات المصرية، لكن فقط يمكن لأمريكا أن تستخدم "الدبلوماسية الخاصة"، مثل اللقاءات الثنائية بعيداً عن الإعلام، بدفع الأنظمة الصديقة إلى تجنب التكتيكات الحادة، مثل تجنب العنف الجسدي مع المرشحين، كما حدث مع المستشار هشام جنينة.
على المدى الطويل تختلف الحسابات، يعتقد باركر أن الاستقرار طويل الأمد يتطلب أن يبتعد الجيش عن الشراكة الصريحة في الحكم، ليكون صاحب دور سياسي خفي، حيث "الاستياء من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد ينعكس بسهولة سلبًا على الجيش نفسه"، ثم يفصل في أهمية أن تكون الولاية الثانية للسيسي الأخيرة، وذلك لأنه "كان يمكن تجنيب مصر أعباء الانفجار السياسي الذي اندلع عام 2011 لو كانت هناك خلافة منتظمة ضمن الحزب الحاكم".
ما قاله باركر معبّر عما تردد مراتٍ في دوائر غربية أخيرا. على المدى القصير، قام السيسي بعمل ممتاز بالنسبة لهم، يتضمن قطع خط الهجرة من أفريقيا عبر مصر. وعلى المدى الطويل، يفزع الغربيون من كابوس حدوث هبة مفاجئة مثل 2011 أو أي سيناريو آخر لاضطراباتٍ تدفع ملايين اللاجئين إلى أوروبا من شعبٍ تعداده 100 مليون نسمة.
وفي هذا السياق دلالة على أننا سمعنا من الرئيس السيسي، للمرة الأولى، تعليقاً على هذا الأمر، على قناة أميركية لا مصرية، حين أكد، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أنه لن يغير الدستور وسيكتفي بفترتين، وهي رسالة تطمين غير حاسمة بالطبع، لأننا نعرف كيف تتم صناعة المشهد الشعبي الذي يتوسل للرئيس البقاء، فيضطر للخضوع إلى "إرادة الجماهير".
الموقف الغربي غير محسوم تماماً. من ناحية، هناك داعمون يمينيون سيواصلون حتى النهاية، خصوصا في ظل رئاسة دونالد ترامب الذي أبدى إعجابه بالنموذج الصيني في فتح فترات الحكم الأبدية. ومن ناحية أخرى، هناك واقع عالمي جديد تتراجع فيه أصلاً أوراق نفوذ الدول الغربية وخياراتها في منطقتنا، فضلاً عن تراجع الديمقراطية على أولوياتها.
يأتي الحل من الداخل قبل الخارج، خصوصا أن من المتوقع أن تشهد الفترة حتى يوليو/ تموز المقبل ارتفاعات جديدة في الأسعار، أُعلن عن بعضها مسبقاً، وهذا بالتأكيد ليس توقيت تعديلات دستورية، وبالتالي ما زال من غير الواضح متى ستتم محاولة الدفع بها.
المؤكد أن على المعارضة المصرية أن تستعد مبكراً جداً لمعركة مصيرية.