وطن النهار... وأغنياته

وطن النهار... وأغنياته

01 مارس 2018
+ الخط -
"وطني وطن النهار..
إنت النهار يا وطني
‏إنت الأمل لي هل..
وانت النهار لي طل
‏آه.. آه.. يا وطن يا وطن
ياللي انولدت من جديد..
‏إنت محيط الأرض يا موج البحار
‏وطن النهار..".. ويردّد الكويتيون الكلمات بلحنها ومزاجها الخاص كل عام منذ التحرير في العام 1991، فتصبح الأغنية جزءا من ذاكرة الفرح الممزوج بالألم، والوجع الممزوج بالأمل لوطن النهار وأهله.
بعد التحرير بقليل، انطلقت تلك الأغنية بكلمات بدر بورسلي، وألحان سليمان الملا، وصوت عبد الكريم عبد القادر، مسورا بآهات الكويتيين المخنوقة بغضب سبعة أشهر من الاحتلال الجارح.. خرجت الأغنية ليردّدها الجميع فوراً، ولتكون أيقونة عشق لوطنٍ كان لحظتها يعيش في عز النهار ليلاً مثقلاً بدخان حرائق آبار البترول التي أشعلها المحتل، قبل اندحاره بساعات قليلة.
لم تتكرّر أغنية وطن النهار، بزخمها وشعبيتها ودموعها وشجنها العجيب الذي تبعثه في النفوس، بعد ذلك أبداً. وحتى بعد مرور 27 عاما على التحرير، لم نسمع أي أغنية كويتية تندرج في إطار الأغاني الوطنية الشعبية الحقيقية إلا قليلا جدا على كثرة ما يظهر لنا من أعمال غنائية متنوعة كل عام، تزامنا مع أجواء الفرح الكويتي المزدوج بالعيد الوطني وعيد التحرير.
هذا الأسبوع، على سبيل المثال، وفي سياق احتفالات الكويت بالعيد الوطني وعيد التحرير، سمعت عشرات الأغاني الجديدة التي تسمى وطنية، ولم تعلق في ذاكرتي أيّ واحدة منها إلا على سبيل الاستياء والدهشة من التساهل في تمرير أغنياتٍ من هذا النوع الرديء، لمجرد أنها تقال في مناسبة وطنية، وكأن هذا يكفي لأن نتقبلها أو يكفي لأن يكون مبرّرا لصناعتها بهذا الشكل المزري على صعيدي الكلمة واللحن. وأحيانا حتى على صعيد الصوت. وأعجب ما في موضوع الأغنيات الوطنية هذا العام أن أصحابها يعلمون تماما مدى التردّي الذي وصلت إليه أغنياتهم، فيحاولون تمريرها بحيل لا تنتمي إلى فن الموسيقى والغناء، بقدر انتمائها إلى فن التسويق الاستهلاكي، فيلجأون إلى استخدام مفردات غريبة على سبيل المثال أحيانا، وأحيانا أخرى يخلطون ما بين الفصيحة والعامية، وأحيانا ثالثة يغنون بالفصيحة من دون إجادتها، فتظهر لنا لغة عجيبة، لا هي بالفصيحة ولا هي بالعامية.. ومزيد من الحيل التي لا يمكن الضحك بها على المتذوق!
وهذا للأسف يتكرّر كل عام؛ أغنيات كثيرة بصخب موسيقي، تتوزعه ألحان مكرّرة لكلمات يفترض أنها قصائد، عامية وفصيحة، وتصوير يتدثر بألوان العلم، وبهجة العيد، ليخفي الرداءة، ولا شيء بعد ذلك. تنتهي إجازة الأعياد، لتختفي تلك الأغنيات، ونعود إلى أغنياتنا القديمة، عندما نريد أن نغني للوطن؛ وطن النهار وما قبلها من تاريخ غنائي كويتي لافت، شارك في صنعه فنانون كويتيون وعرب كبار أيضا. وفي سياق ذلك، الكويت هي إحدى الدول القليلة التي تغنى باسمها عمالقة الفن العربي، مثل أم كلثوم وفيروز ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وليلى مراد وسعاد محمد ونجاح سلام ونجاة الصغيرة وغيرهم كثيرون. لكن هذا التاريخ الفني اللافت في مسيرة الأغنية الوطنية في الكويت وصل الآن إلى مرحلة الجرأة في تقديم الرداءة على شكل أغنية، بحجة أنها أغنية وطنية نابعة عن مشاعر الحب للوطن والفرح بمناسباته السعيدة! وهذا ما يجعلنا نذكّر بحقيقة أن القضايا الكبرى لا تصنع أدبا كبيرا بالضرورة، وبالتالي فإن المشاعر الكبرى لا تصنع فنا كبيرا بالضرورة أيضا.
حجم القضية ونوعية الشعور وموضوع العمل الأدبي، أو الفني، لا يحدد قيمة ما ينتج عنهما من أدب، أو فن، ذلك أنه ليس من عناصر تكونهما. وبالتالي لا ينبغي أن يكون من معايير الحكم على جودتهما أيضا. أما أن يتحجّج بعضهم بتمرير كل ما هو رديء، بحجة أنه عمل وطني، فهذا لا يعني سوى أنه استغلال سيئ لاسم الوطن، وتسويق في غير محله.. أتمنى ألا يستمر، حتى وإن كان يقدم أحيانا بنية وطنية حسنة، فهذا لا يكفي.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.