القديم يكسب

القديم يكسب

06 ديسمبر 2018

(Getty)

+ الخط -
لاحظت في معارض الكتب العربية التي أتيح لي أن أحضرها في السنوات الأخيرة إقبالا متزايدا من مرتادي هذه المعارض على شراء الكتب القديمة عموما، والتراثية منها خصوصا. رجال ونساء من مختلف الأعمار يدفعون أمامهم عرباتٍ مكدّسة بهذه الكتب المميزة، بشكلها الموحد تقريبا، ما يجعل المتابع يلاحظها ويميزها عن غيرها من الكتب الحديثة، ذات الأغلفة المختلف بعضها عن بعض.
على سبيل المثل، لاحظت، في معرض الكويت أخيرا، والذي أسعدني الحظ بزيارته في معظم أيامه العشرة، هذه الظاهرة بشدة، وقد أكّدها لي ناشرون عرب مشاركون أبديت لهم ملاحظاتي العابرة تلك، وتكرّر الأمر في معرض الدوحة الذي أحضره هذه الأيام أيضا.
سألت ناشرا عربيا مخضرما، ساهم في تأسيس أكثر من دار نشر ما بين لبنان والإمارات وقطر، واعتاد على المشاركة في كل المعارض العربية، وبعض المعارض الأجنبية أيضا، سنوات طويلة، عما إذا كان قد لاحظ تلك الظاهرة، وما تفسيره لها بحكم خبرته العميقة والعريضة في عالم الكتب والنشر والمعارض والمكتبات، فقال إن كل الناشرين يعرفون ذلك، ويعرفون أن دور النشر التي تتخصص في التعامل مع هذه الكتب تحديدا هي التي لا تخسر أبدا، مهما كانت أحوال سوق الكتاب، حتى إن بعض دور النشر المهتمة بالكتب والإصدارات الجديدة تلجأ إلى طباعة دواوين ومراجع وكتب قديمة، عندما تسوء أحوالها، وأخرى تحتال، لرفع الحرج عن نفسها أمام قرائها الذين يعرفون خطها المعتاد في النشر، فتحاول إعادة طبع الكتب التراثية بعد إضفاء قليل من اللمسات الحديثة عليها تحريرا أو تنقيحا أو تقديما أو طباعة!
أما الأسباب التي يرصدها ناشرنا المخضرم فعديدة، وغالبها منطقي؛ منها أن الكتب القديمة والتراثية قد تعرّضت لاختبار الزمن، فقد مضت على صدورها سنواتٌ طويلةٌ، ما أكسبها ثقة أغلب القراء، وهذا ما يفسر الاستمرار في طباعتها دائما، وفي دول مختلفة، أي أن قارئها موجود دائما، وهي لا تحتاج إلى تعريف بها أو دعاية لها. ثم إن هذه الكتب مهدرة حقوق الطبع، فكل دار نشر تستطيع إعادة طبعها ونشرها من دون أن تترتب على ذلك حقوق للمؤلف بالتأكيد. وهذا يعني قلة تكلفة نشرها، وبالتالي انخفاض سعرها مقارنةً بالكتب الحديثة، ما يجعل القارئ لا يتردّد في شرائها وإثراء مكتبته بها. ومن الأسباب الأخرى أن شهرة بعض هذه الكتب القديمة تجعل من القراء يحرصون على ضمها لمكتباتهم، ولو على سبيل التباهي بوجودها بين الرفوف. وهذا كله لا يعني أن تلك الكتب لا تستحق شهرتها، بل العكس تماما، فهي تؤكد تلك الشهرة وتعزّزها، باعتبارها كتبا تناسب معظم من يود القراءة بشكل عام، من دون تحديد للتخصص الدقيق!
أما أغرب العوامل التي ساهمت بانتشار تلك الكتب، وشجعت على إقبال القراء عليها وأطرفها فهو شكلها العام، فهذي الكتب غالبا ما تكون مجلدة بأغلفة سميكة، وبعناوين جميلة مذهّبة، ما يضفي عليها جماليةً تقليديةً تناسب الشكل العام للمكتبات التي يضعها أصحابها في بيوتهم، عنصرا مهما من عناصر الديكور الحديث!
تعددت الأسباب لكن الإقبال عليها واحد ومتزايد، ما يؤكد أن "القديم يكسب" في عالم الكتب الذي يتحدّى فكرة الموضات المتغيرة كما يبدو!
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.