حماس في روسیا

حماس في روسیا

05 ديسمبر 2018
+ الخط -
لا يفوّت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتین، فرصة لتوجيه النقد اللاذع لسیاسات الإدارة الأميركیة، وإطلاق التھدیدات والتحذیرات المعبقة بشذى القوة الغابرة للاتحاد السوفییتي، وسط توقعات المحللين بعودة استقطابات الحرب الباردة.
وفي هذا الاطار توجه روسیا دعوة أخرى لحماس ممثلة برئیس مكتبها السیاسي الجديد، بعد أن استضافت قبله قائد حماس السابق، خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق أكثر من مرة، فیخمن المحللون أن تكون الخطوة إحدى حلقات التجاذبات بین أميركا وروسیا.
غیر أن نظرة أكثر عمقا للأمور قد توضح الصورة في إطارھا الحقیقي، ولن نستطیع أن نسبر غور حقیقة الأمور إلا عبر المنظار الثاقب للأحداث التاریخیة التي مرت بھا العلاقات الفلسطینیة الروسیة، ممثلة بحركة فتح خلال علاقتھا الطویلة التي كانت توصف بالإستراتیجیة مع الاتحاد السوفییتي، رغم أن فتح خرجت بجراب خاو من ھذه العلاقة.
ویحدثنا التاریخ أن علاقة الاتحاد السوفییتي السابق مع حركة فتح ثم مع منظمة التحریر فیما بعد، بدأت عقب الزیارة التي قام بھا یاسر عرفات لموسكو ناطقا باسم حركة فتح، بصحبة الرئیس جمال عبد الناصر في العام 1968 كأولى محاولات تسویقها، كأحد وجوه القضیة الفلسطینیة في مواجھة أحمد الشقیري الذي لم یكن یحوز الرضى المصري في تلك الحقبة.
ثم تلتھا زیارات أخرى قام بھا عرفات لموسكو، لم تحظ خلالھا القضیة الفلسطینیة إلا بدعم معنوي عبر الإعلام السوفییتي الذي عجّ بعبارات التمجید للمقاومة الفلسطینیة.
ولم تقدم القیادة السوفییتیة على الجلوس مع عرفات إلا بعد أن نجحت في إبھار عرفات، واستنفذت منه كل مساعي التكالب والاستماتة على تحقیق مثل هذه المقابلة مع القادة السوفییت، حیث كان مجرد الجلوس مع القیادة السوفییتیة في نظر عرفات إنجازا، وھو ما أثبتته الوقائع، حیث أن السوفییت لم یقدموا للقضیة الفلسطینیة إلا دعما شكليا فارغا لم یسھم حتى یومنا ھذا في تحقیق أي من الأحلام الفلسطینیة، وتمثل ذلك في افتتاح مكتب تمثیلي للمنظمة في موسكو في العام 1976، تطور إلى سفارة عام 1981 ومساعدة المنظمة للحصول على مقعد مراقب في الأمم المتحدة عام 74 19.
ویعزز وصف ھذه التسھیلات بالشكلیة ھو امتناع السوفییت الدفاع عن المنظمة، إثر الضربات التي تعرضت لھا من العدو الصھیوني، بدءا من العام 78 وحتى العام 82، كما لم یمنع السوفییت حلفاءھم الیساریین في المنظمة من الانشقاق عنھا ما أدى إلى إضعافھا.
لم تنجح القیادة الروسیة في الحصول على تنازلات جوھریة أو إستراتیجیة من حركة حماس لجھة الاعتراف بدولة الكیان ونبذ المقاومة، كما فعلت مع المنظمة التي تقودھا حركة فتح، ولن تنجح، لأنه وبمقارنة بسیطة بین "فتح" في حینھا وبین حركة حماس الآن، یتسنى لنا الحكم بموضوعیة، فاختلاف المنطلقات النفسیة التي انطلقت منھا حركة فتح التي كانت مجرد فصیل جدید ومبتدئ من الفصائل الفلسطینیة، ثم فصیل من فصائل منظمة التحریر، والتي كانت تخوض معركة الاعتراف بشرعیتھا أكثر مما كانت تخوض معركة تحرر حقیقیة، عدا عن كونھا كانت حركة تعیش في الشتات والمنافي.
أما حركة حماس، فھي تنطلق من كونھا فصیل فلسطیني مقاوم یعیش ویقاوم على أرضه، فضلا عن الشرعیة الشعبیة والانتخابیة التي حققتھا بفوزھا في أول انتخابات دیمقراطیة حقیقیة تشھدھا الساحة الفلسطینیة.
أيضا، إن حركة فتح كانت وما زالت تنطلق وتتعامل بكونھا حركة علمانیة تضم قیادات یساریة تحظى بالدعم السوفییتي. أما حركة حماس فتختلف عن فتح في إيديولوجیتھا العقائدیة، ما یمنعھا من الانزلاق إلى براغماتیة أو لیبرالیة فتح، في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من صحوة ومد إسلامي، ما یعطي لحماس عمقا وبعدا أیديولوجیا عقائدیا.
أيضا، كان الاتحاد السوفياتي ینطلق من اعتبار أنه إمبراطوریة تعتبر الأولى أو الثانیة عالمیا، فكان وزنھا الدولي یختلف عن المكانة التي تشغلھا روسیا الآن، كإحدى دول أوروبا التي تعمل أميركا على محاصرتھا وحشرھا بحزام من دول الكتلة الشرقیة بعد إدخالھم لحلف الناتو.
وعلیه، نتوقع أن تواصل حركة حماس محاولاتھا نسج علاقات واسعة النطاق، وتحالفات مع كل القوى ذات التأثیر في المنطقة. ولكن لیس على حساب الدین والوطن أو الشعب، كما لیس على حساب منطلقاتھا العقائدیة ومرجعیتھا الشرعیة.
أما روسیا، فالمتوقع أن تحاول إعادة لعبة شد الحبل مع حركة حماس، وقد تقدم في إطار ھذا التكتیك على ما تعتقد أنه قد یرضي "حماس"، بما لا يجبرها على تقدیم تنازلات، فيكفي روسيا إثبات حضورها في الميدان الدولي وجها آخر للقوة الأميركية المهيمنة.
إلا أن ما تتسم به حركة حماس وقیادتھا من ثبات على المبادئ ووضوح في الحجة وإجادة في العرض وحنكة في نسج المصالح بلا نفاق أو دجل وسمو في النفس عن مغریات الحكام والدول والسلاطین، ما ساعدها في إجبار جمیع القوى، بما فیھا روسیا، على احترامھا بما یصوّب المسار ویعید توجیهه بوصلة القضیة الفلسطینیة نحو تحقیق المصالح العلیا الحقیقیة للشعب الفلسطیني من دون الالتفات للمصالح والمكاسب الحزبیة.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)