عام المفاجآت والمفارقات

عام المفاجآت والمفارقات

31 ديسمبر 2018
+ الخط -
حمل عام 2018 مفاجآت ومفارقات. يتعلق بعض المفاجآت بانكشاف هشاشة وقصور نماذج اقتصادية ونظم حياة وصيغ للحكم والسياسة. ويرتبط بعضها الآخر بانكشاف اتصالات غير ظاهرة وعلاقات غير معلنة بين أعداء تاريخيين. وبين الانكشافين تكمن المفارقة التي قلما تحدُث في التاريخ.
تمثلت كبرى مفاجآت 2018 في انكشاف سياسات ومواقف تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، تحديداً بشأن الموقف العربي من إسرائيل والموقف الأميركي من القدس. كما شملت مفاجآت العام اندلاع موجةِ غضب ورفضٍ شعبي لآليات الاقتصاد الرأسمالي المطبقة في أوروبا، والمرتبطة عضوياً بآليات الديمقراطية الليبرالية.
في ملف العلاقة مع إسرائيل، بادر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إعلان نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهي خطوة تطالب بها إسرائيل منذ عقود، وتجنبها الرؤساء الأميركيون الواحد تلو الآخر، حتى جاء ترامب ليقوم بما لم يجرؤ عليه أسلافه في البيت الأبيض. والمفاجأة الحقيقية لم تكن في خطوة ترامب، بقدر ما كانت في الصمت العربي المطبق إزاءها، فقد كان ترامب واثقاً من غياب أي معارضة عربية أو تحرك رافض قراره، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وبدا واضحاً أن ثقته كانت في محلها. وقبل نهاية العام، خرجت إلى العلن بعض مظاهر التواصل والعلاقات بين إسرائيل ودول عربية لا تجمعها معاهدات سلام مع تل أبيب، وهو تواصل قائم منذ سنوات، ظل خلالها طي الكتمان.
المفاجأة ليست في هاتين الخطوتين بحد ذاتيهما، وإنما في الإعلان والكشف عنهما رسمياً. وحدوثهما خلال عام واحد إنما يعكس ثقة وطمأنينة أكثر من الجرأة أو المغامرة. وبغض النظر عن حسابات أصحاب تلك الخطوات غير المسبوقة وتقديراتهم، سيسجل التاريخ أن عام 2018 شهد تحولاً جذرياً في التعاطي مع أخطر القضايا العربية. وهو ما يدعو إلى التساؤل عما سيحمله معه عام 2019 في هذا الملف المصيري. ولا تعني خطوات التقارب مع إسرائيل، أو تقدم واشنطن بخطوات أبعد في تصفية القضية الفلسطينية من أهم مكوناتها، أن نهاية الصراع قد حانت أو أن القضية الفلسطينية سيطويها التاريخ قبل نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة، فهذه ليست أول محاولات إنهاء الصراع ولا آخرها بصورة مجحفة تشرعن الاحتلال. وفي كل مرة، ينقلب التاريخ على محاولات البشر تطويعه وليّ ذراعه.
فوجئ العالم في فرنسا بتظاهرات وموجة رفض حاد لقرارات اقتصادية اتخذتها حكومة الرئيس ماكرون، تزيد أعباء الطبقة المتوسطة. وقبل أن يفيق ماكرون من المفاجأة، بدأت أصداء الغضب الشعبي تتردد في دول أخرى. وعلى الرغم من تهدئة الوضع بإجراءات أمنية وترضيات اقتصادية، إلا أن خلل المعادلة السياسية الاقتصادية الذي تسبب في الأزمة يكمن في صميم النظام المتبع، وليس في إجراءات بعينها.
وهنا المفارقة التي حملها عام 2018، ففي المنطقة العربية تجري محاولات لإيجاد واقع جديد، أو بالأحرى لتقنينه ومنحه حيثية منتفية عنه، بحكم التاريخ والجغرافيا وإرادة الشعوب. بينما تسعى النخب الحاكمة في أوروبا إلى تثبيت الأمر الواقع، ومنع انهياره، وانكشاف هشاشته أمام حركة التاريخ وتطلعات الشعوب.
ومما يزيد المفارقة إثارة وثراء، أن ثمّة عوامل مشتركة بين هذين المسارين المتعاكسين، أولها أن المحرّك في الحالتين هو النخب المسيطرة، مدفوعة بالرغبة في البقاء واستمرار امتلاك الموارد والعوائد. وفي الحالتين أيضاً، الشعوب مستبعدة من الحسابات. وما حدث في فرنسا وأوروبا ثم أخيرا في السودان، ليس سوى جرس إنذار لضرورة مراجعة تلك الحسابات.
وقد لا يكون 2018 آخر أعوام المفاجآت، فربما لا يزال التاريخ يخفي جديداً غير متوقع. وقد يحمل العام الجديد جديداً يغير مفاجآت العام الماضي، أو يضيف إليها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.