ورقة انتخابية لترامب

ورقة انتخابية لترامب

24 ديسمبر 2018
+ الخط -
الظاهر حتى الآن، أن قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من الأراضي السورية يعني إفساح واشنطن المجال في سورية أمام روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والدول العربية، لكي تقوم كل منها بما يخصها من التزامات، وتسعى بنفسها إلى ما تريده من مكاسب. على أن تستفيد واشنطن من الوضع الجديد أياً كان، من دون أعباء. وما من وجود ظاهر للبعد الداخلي في تلك الحسبة الأميركية المفاجئة، خصوصاً لجهة الدوافع وراء القرار، غير أن الأثر المؤكد سيكون فيما بعد القرار وتداعياته اللاحقة، على إدارة ترامب عموماً، وعلى مصيره في البيت الأبيض خصوصاً.
قد يرى القارئ صعوبة في إيجاد صلة مباشرة بين الخروج الأميركي من سورية وخروج ترامب من البيت الأبيض، على أساس أن هذا الانسحاب مسألة أقل أهمية من أن تصبح قضية انتخابية، يوظفها ترامب في سعيه إلى ولاية رئاسية ثانية، غير أن هذا الارتباط الذي يبدو غير مرجح يتسق تماماً مع طريقة ترامب في اتخاذ القرار، والتي ضمنت له أعداء وخصوماً من حزبه وإدارته وفريق البيت الأبيض وكثيرين من القريبين منه أكثر كثيراً من الديمقراطيين والمعارضين له أصلاً.
كالعادة، كان قرار ترامب مفاجئا وغير مدروس، أو على الأقل اتخذه ترامب منفردا، من دون التشاور بشأنه مع أركان إدارته، خصوصا وزير الدفاع، جيمس ماتيس، المفترض أنه المعني الأول بقراراتٍ كهذه، والذي جاء إعلانه تخليه عن حقيبة الدفاع بمثابة رفض علني للقرار، واحتجاج على طريقة ترامب في اتخاذ القرار. وكان ماتيس أحد أهم المؤيدين لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في سورية، وحذر غير مرة مما اعتبره انسحاباً "متسرّعا" من سورية، تجنباً لما سيفضي إليه ذلك الانسحاب من فراغ كبير "سيستغله نظام الأسد أو من يدعمه".
اتسم تبرير ترامب القرار بالسذاجة والسطحية، وانطوى على قدر كبير من الاستهانة بالآخرين، سواء كانوا الحلفاء في الخارج أو الأطراف المعنية مباشرة بالأزمة السورية، فالقول إن المهمة أنجزت، وتم القضاء على "داعش" ليس سوى حجة واهية، لا يدانيها تهافتاً وزيفاً إلا كذبة خطر "داعش" على إسرائيل، وهو ما تدركه مختلف الأطراف المعنية بالأزمة في سورية، بدءاً بترامب نفسه بالطبع، وانتهاء بإسرائيل.
في المقابل، تستجيب هذه النوعية من القرارات وتبريراتها إلى المزاج العام الغالب على الرأي العام الأميركي، فالمواطن الأميركي قليل الإلمام بتلك القضايا الخارجية، ولا يهمه كثيرا ماذا يجري في سورية، لكنه يشعر بانتصار القيم الأميركية عندما يقال له إن قوات بلاده قامت بالقضاء على الدواعش المتوحشين الذين يقتلون البشر، ويزداد فخرا برئيسه الجريء الذي وعد بعودة "أميركا القوية"، وأن تظل "أميركا أولا".
هذا يكفي تماماً بالنسبة للمواطن الأميركي البسيط، ولا حاجة به إلى معرفة أي تفاصيل أخرى عن القرار. لا تداعياته على دولة اسمها سورية، أو حتى على منطقة بأكملها اسمها الشرق الأوسط. ولا عن ارتباط تلك الخطوة بشبكةٍ معقدةٍ، مترابطة من العلاقات والترتيبات تتداخل فيها صلات ترامب والرئيس الروسي بوتين مع حسابات واشنطن إزاء تركيا ومستقبل المكون الكردي في سورية، مع رغبة ترامب في مراجعة علاقات بلاده مع أوروبا، وتموضع واشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
يرغب ترامب في الجمع بين صورة البطل المنتصر على الإرهاب وقوى الشر، والظهور حاميا حياة الجنود الأميركيين، وضامنا عودتهم سالمين إلى عائلاتهم. هي حسبة انتخابية بامتياز، وإن بدت مبكرة جدا عن موعدها المناسب. لكن متى كانت قرارات ترامب وقفزاته المفاجئة تستند إلى منطق، أو تراعي سياقاً وتوقيتاً؟
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.