لبنان رهينة حزب الله في وجه العقوبات

لبنان رهينة حزب الله في وجه العقوبات

11 ديسمبر 2018
+ الخط -
كُلف سعد الحريري تشكيل حكومة لبنان منذ أكثر من ستة أشهر، لكنه لا يزال يراوح مكانه! وضع صيغا وفكك عقدا وواجه أخرى ووزع حصصا وراعى أحجاما، وحرص، بشكل خاص، على صون العلاقة مع رئيس الجمهورية، ميشال عون، كي يحافظ على التسوية التي سمحت للأخير بتحقيق حلمه الرئاسي، وله (الحريري) بالعودة إلى رئاسة الحكومة. ومع ذلك، يجد نفسه اليوم محاصرا من حزب الله، مهندس التسوية الذي من دون موافقته ما كانت لتبصر النور. من يقوم فعليا بتشكيل الحكومة هو حزب الله نفسه، فهو الذي يضع الشروط، ويقرّر أن يتمثل هذا أو ذاك، ويضع فيتو على هذا او ذاك، ويتدخل في كيفية تمثيل هذا الفريق أو تلك الطائفة خلافا للدستور، ولصلاحيات رئيس الحكومة ولكل الأعراف، فرئيس الحكومة الذي يتم تكليفه بناء على استشارات نيابية هو من يشكل الحكومة، بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وهو بالتالي من يقرّر حجم الحكومة وشكلها وتركيبتها وعدد أعضائها، ويختار أسماء وزرائها ويعرض التشكيلة على رئيس الجمهورية الذي له حق في إبداء الرأي والموافقة أو الاعتراض. أما اليوم فإن حزب الله يقول إما أن تشكل الحكومة كما أريد أو لا حكومة، وزيادة في التعطيل يشترط أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، تمثيل مجموعة نواب سنة معارضين للحريري، تم تجميعهم على عجل بعد الانتخابات، ويربط تمثيل هولاء بمشاركة حزبه في الحكومة، عبر
 تمنعه عن تسليم أسماء وزرائه إلى رئيس الحكومة.
هل يجرؤ الحريري على تأليف الحكومة من دون حزب الله؟ وهل يريد حزب الله فعلا أن تتشكل الحكومة، ولماذا يضع العراقيل في وجهه؟ وهل من رابط بين لبنان والعراق، حيث هناك أيضا لم تتشكل الحكومة بعد منذ المدة نفسها. يسعى حزب الله، بكل جهده، ويضع كل ثقله لإحكام قبضته، وإنْ بشكل متدرج، على مفاصل الحكم في لبنان منذ حصول التسوية - الصفقة التي أعادت تركيب السلطة بعد الفراغ الذي فرضه هو في رئاسة الجمهورية سنتين ونصف السنة، لكي يفرض ميشال عون رئيسا للجمهورية، فتمت المقايضة بين عون رئيسا وقبول نصرالله بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وأنتجت هذه الصفقة قانونا للانتخاب تمكّن حزب الله من خلاله فرض مبدأ التمثيل النسبي الذي سمح له بإيصال نواب يدورون في فلكه، وفي فلك النظام السوري، وموزعين على معظم الطوائف، وخصوصا داخل الطائفة السنية التي يتفرّد بزعامتها الحريري. وهنا بيت القصيد، إذ تمكّن حزب الله، منذ عام 2006، من نسج علاقة تحالفية مع "التيار العوني"، وفّرت له غطاء وحصانة منيعة في الساحة المسيحية، كما إنه يخترق الساحة الدرزية، بالتوازي مع بشار الأسد من خلال، أولا طلال أرسلان، الخصم التقليدي لوليد جنبلاط، ومن ثم وئام وهاب الذي نصّبه الجهاز العسكري والأمني السوري في زمن الوصاية، كي ينغص عيش الاثنين معا درزيا. وبطبيعة الحال، الساحة الشيعية مقفلة منذ زمن لثنائية حزب الله وحركة أمل مع ميلٍ طابش أخيرا لصالح الحزب. وبقيت الساحة السنية عصيةً على الاختراق، لاعتبارات عديدة، أولها جريمة اغتيال رفيق الحريري، واتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كوادر من حزب الله بارتكاب الجريمة، وثانيها الصراع السني - الشيعي المحتدم في المنطقة. وهذا ما حدّ سنواتٍ من قدرة حزب الله على التغلغل أكثر في عمق النسيج اللبناني، وما دفعه إلى البحث عن مخرج لهذه المعضلة طوال السنوات الماضية. لم يكن من السهل اختراع منافسٍ للحريري أو بديل له لا يحظى ببعض المشروعية في الشارع السني، ولا يمكن أن تتأتى هذه المشروعية من خارج صناديق الاقتراع، وعبر قانون انتخابي يقوم على التمثيل الأكثري. فجاءت صفقة 2016 لتمهد الطريق أمام فرض قانون النسبية على الحريري، لانتزاع مقاعد سنّية لا تتعدى الخمسة، والتي فاز بعضها بأصوات حزب الله نفسه، والتي يسعى نصرالله الآن إلى فرض واحد منها وزيرا على الحريري، ومن ضمن الكوتا السنية.

ولكن هذا الضغط المركّز، والذي يدوم منذ أكثر من شهر حول هذه المعضلة، لم يدفع الحريري إلى الرضوخ لشروط حزب الله، وتضامن معه رئيس الجمهورية أول مرة رافضا توزير سني من المجموعة المحسوبة على الأسد وحزب الله، فلجأ هذا الأخير إلى "هز العصا" كما فعل سابقا في أكثر من مناسبة، بخروج أولا نصرالله في خطاب أخيرا، رافعا الصوت والإصبع بوجه حليفه عون، معلنا أن لا حكومة "إلى يوم القيامة" بدون توزير واحد من هؤلاء! وكانت النتيجة أن تراجع رئيس الجمهورية، وراح يبحث عن مخرج، فيما استمر الحريري في موقفه الرافض مدعوما من جنبلاط. وهنا لجأ نصرالله إلى "الاحتياط الدرزي"، وئام وهاب الذي كال من السباب والشتائم وكل أنواع التهم ما طال لسانه ضد الحريري ووالده الراحل، واستبق الهجوم بعراضة عسكرية قام بها بعض من أنصاره في قرى الشوف واستفزاز جنبلاط أمام دارته في المختارة. حرّك الحريري القضاء، بناء على دعوى تقدم بها مجموعة محامين، وأصدرت النيابة العامة مذكرة استدعاء لوهاب من أجل الاستماع لشهادته. تمنع الأخير عن الحضور، فحرّكت الضابطة العدلية قوةً أمنية لاحضاره، فما كان منه إلا أن افتعل صداما معها، ذهب ضحيته أحد أنصاره عن طريق الخطأ، فيما أصر هو على اتهام قوى الأمن وتحميلها المسؤولية. وانطلق سيناريو التضامن أياما مع وهاب، وتحميل المسؤولية للحريري من كل فريق الممانعة، يتقدّمه حزب الله الذي أرسل وفدا من قياديي الحزب، للوقوف على خاطره، وكذلك فعل التيار الوطني الحر مرغما، وآخرين، على الرغم من أن وهاب لا يتعدى كونه بوقا لمشغليه، لم يتمكّن حتى من فوز بمقعد نيابي. ولكن رسالة الترهيب التي أرادها حزب الله قد وصلت، وفحواها إما أن تؤلف الحكومة كما نريد أو تعتذر. وعدم الاعتذار هو السلاح الوحيد المتبقي للحريري، إذ لا يلحظ الدستور أي مدة زمنية على الشخصية المكلفة تشكيل الحكومة أن تلتزم بها، وفي وسعه أن يبقى مكلفا إلى ما شاء الله. وهذا ما يزعج فعلا حزب الله الذي أوحى، عبر رئيس الجمهورية، أن بديل الحريري جاهز من بين النواب السنة الستة!
يريد حزب الله أن يمسك بمفاصل الوضع الداخلي، لأنه، على عكس ما يعتقد كثيرون، غير مرتاح لما يجري على الصعيد الإقليمي، وجرّاء تشديد الولايات المتحدة العقوبات على إيران. يريد أن يحتمي بالداخل، ويساعد طهران على الالتفاف على العقوبات، غير أن هذا الأمر غير متيسر حتى الآن لا في لبنان، نتيجة أيضا للعقوبات الأميركية التي تطاله هو أيضا، ولا في العراق، حيث تواجه طهران صعوباتٍ جديةٍ من أطراف شيعية بالتحديد، باتت لا تطيق النفوذ الإيراني، ولا تريد أن تتحول حدودها إلى بوابات مفتوحة للتهرّب من العقوبات. كما أن ما يحكى عن انتصار في سورية لا يتعدّى كونه خرافة، طالما أن روسيا التي فرضت سيطرتها العسكرية على معظم الأراضي السورية، وفككت المعارضة المسلحة وشرذمتها، وأوقفت الأسد مجددا على رجليه، غير قادرة على فرض حل سياسي، لا تريده أميركا التي تطالب، وتصر على إخراج "الحرس الثوري" والمليشيات الإيرانية من سورية. ناهيك عن أن سورية أصبحت مجموعة محمياتٍ، تتنازعها خمسة جيوش، بدءا من الروسي، مرورا بالإيراني والتركي، وليس انتهاء بالأميركي وحتى الإسرائيلي.
ولذلك، يريد حزب الله أن يصنع من الضعف قوة، ويحاول أخذ لبنان بكامله رهينةً يتسلح بها في مواجهة الآتي من الأيام!
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.