الحريري "هجوميّاً" من بيروت

الحريري "هجوميّاً" من بيروت

17 فبراير 2015

سعد الحريري .. كلمة ذات بعد إقليمي (14 فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
فاجأ سعد الحريري اللبنانيين بعودته مساء 14 فبراير/شباط الجاري إلى بيروت، للمشاركة في إحياء الذكرى العاشرة لغياب والده، رفيق الحريري، وألقى خطاباً هجومياً على حزب الله، على الرغم من الحوار القائم بين الطرفين منذ شهر ونصف، مسلطاً الضوء على الدور الذي يلعبه الأخير في تعطيل الحياة السياسية، وإبقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغراً منذ تسعة أشهر، وواصفاً مشاركته في القتال دفاعاً عن بشار الأسد بـ"الجنون".
هل خطاب الحريري مجرد خطاب تعبوي، من أجل شد عصب جمهوره، الذي يغيب عنه منذ نحو أربع سنوات، وتتنازعه منذ بداية الثورة في سورية رغبة المشاركة والالتحاق بصفوف مقاتلي المعارضة، وتنفخ رياح التكفيريين في الاحتقان السني-الشيعي الذي يغذيه حزب الله منذ سنوات؟ وهل هي مجرد زيارة عاطفية خاطفة، أم أنه عاد لأسباب أبعد من المناسبة؟
حرص زعيم تيار المستقبل الذي صعد على موجة التعاطف والمد الشعبي الجارف الذي حظي به إثر اغتيال والده، على تبديد مخاوف وشكوك قسم كبير من اللبنانيين تجاه الحوار مع حزب الله، المتهم عملياً باغتيال رفيق الحريري، والذي يرفض تسليم خمسة من كوادره المتهمين (أحدهم مصطفى بدر الدين، تفيد مصادر المعارضة بأنه يقود حالياً معركة جيش الأسد ومقاتلي حزب الله في درعا) بتنفيذ الاغتيال إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، والذي يشل عملياً الحكم والمؤسسات الدستورية عبر التلطي وراء الزعيم المسيحي رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، الحالم والطامح الدائم لرئاسة الجمهورية.
فقد أكد الحريري أنه لن يعترف لحزب الله بأية حقوق تتقدم على حق الدولة بقرارت الحرب والسلم، مؤكداً، في الوقت عينه، تمسكه بالحوار الذي وصفه بـ"الحاجة الإسلامية لتخفيف الاحتقان، وضرورة لتحصين المسار السياسي، وإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، ورفض
تحكيم الشارع بالخلافات السياسية"، إلا أن الحريري أعطى لكلمته (ومهمته؟) توجهاً وبعداً إقليميين، إذ بدا لافتاً أنه أتى بجرعة سعودية إضافية، مستهلاً خطابه بالترحيب، أولاً، بمبايعة الملك السعودي الجديد، سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد مقرن بن عبدالعزيز، على الرغم من أنه قام بالتهنئة والمباركة يوم التنصيب في السعودية، حيث يقيم حالياً. ومنه انطلق ليشن هجوماً على بشار الأسد الذي قال عنه إنه "كسّر سورية على رؤوس أهلها، وقتل مئات الألوف وشرد الملايين"، في استعادة لما نقل عن الأسد نفسه، عندما هدد رفيق الحريري، في أغسطس/آب 2004، قبل أربعة أشهر من اغتياله: "إذا رفضت التمديد للرئيس إميل لحود فسأكسر لبنان على رأسك...".
بدا وكأن الهدف هو التصويب على ما يسمى "محور الممانعة"، انطلاقاً من واقع الساحة اللبنانية. فقد تساءل الحريري عن معنى "اختزال العرب في نظام الأسد ومجموعة مليشيات مسلحة تعيش على الدعم الإيراني، لتقوم مقام الدول في العراق وسورية ولبنان واليمن ونفي الجامعة العربية"، رافضاً تحويل لبنان إلى ساحة أمنية وعسكرية، يسخرون، من خلالها، إمكانات الدولة اللبنانية، لإنقاذ النظام السوري وحماية مصالح إيران. وتساءل: "أين هي المصلحة في ذهاب شباب لبنان للقتال في سورية والعراق، والتدخل في شؤون البحرين...؟"، مؤكداً أن "مصلحة لبنان من كل ذلك صفر". وكرر الحريري دعوته حزب الله إلى الانسحاب من سورية، رافضاً ربط الجولان بالجنوب، و"يكفي استدراج الحرائق من سورية إلى لبنان".
وعلى الرغم من اللهجة الحادة للخطاب، ومضمونه العالي النبرة، إلا أن الحريري حرص على تأكيد تمسكه بالاعتدال خياراً في مواجهة العنف والتطرف والتكفير. وزعيم "تيار المستقبل" من رموز الإسلام المعتدل على الصعيدين، اللبناني والعربي، كما كان والده. وبدا في خطابه الجديد كأنه الناطق بلسان الدول العربية والإسلامية التي تدعم معركة إسقاط بشار الأسد، في وجه من يحاول إنقاذ نظامه:"الرهان على إنقاذ النظام السوري وهمٌ يستند إلى انتصارات وهمية، وقرار إقليمي بتدمير سورية".
فهل يمكن قراءة ذلك على أنه مؤشر ورسالة سعودية واضحة حول توجهات العاهل الجديد في ما يخص الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية، وصعوبة توقع أي انفراج في العلاقات السعودية-الإيرانية في المدى القريب، وبالتالي، بقاء المنطقة في حال من التوتر والفوضى. وفي المقابل، يمكن توقع أن المواجهة بين المعسكرين مستمرة، في العراق واليمن وسورية، على الرغم من التقاء الطرفين على ضرورة محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، كلٌ انطلاقاً من مصالحه وحساباته.
ويشكل كلام الحريري من دون شك إحراجا لحزب الله، المتورط بقرار إيراني في أكثر من جبهة قتال في سورية، إلى جانب النظام وفي الجولان، وفي العراق، وفي تدريب الحوثيين في اليمن، وفي جنوب لبنان، والذي يبحث، في الوقت عينه، عن متنفس داخلي لتهدئة الساحة اللبنانية البالغة التعقيد والحساسية. ولذلك، يلتقي الطرفان على ضرورة استمرار الحوار من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي.
وطالما أن المشهد الإقليمي، والإيراني-الأميركي تحديداً، ما زال متوتراً وشديد الضبابية، فإن خطاب الحريري يؤكد أن لبنان سيبقى عرضة لحرائق نيران الحرب السورية، وستبقى الأزمة الدستورية مفتوحة على الفراغ الرئاسي، وأن انتخاب رئيس للجمهورية مؤجل إلى أجل غير مسمى، وهو الموقع المسيحي الوحيد في العالم العربي. وستبقى الحكومة الحالية، بتوازناتها الدقيقة، تصارع من أجل البقاء، يقابلها تمسك الجميع بغطائها، لأن لا مصلحة لأحد في قلب الطاولة، أقله في هذه المرحلة.
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.