هيئة وطنية سورية

هيئة وطنية سورية

23 نوفمبر 2018
+ الخط -
لا شيء غير الحراك الشعبي السلمي/ المدني، المطالب بالحرية والموحد، يمكنه إنقاذ الثورة من الأخطاء التي تهدّد اليوم بالإجهاز على ما بقي منها في الشمال السوري، بعد أن نجح التدخل التركي بشق الأنفس في إنقاذه من المصير الذي عرفته مناطق خفض توتر وتصعيد أخرى، في حوران والغوطة وريف حمص الشمالي، أعادها الروس إلى السلطة الأسدية، بالتكامل بين طيرانهم والذين كانوا يسيطرون عليها من قادة الفصائل المسلحة. وبطبيعة الحال: غياب مؤسسات المعارضة عن مجريات الثورة والواقع.
بالقفز عن هذه الحقائق، يتوهم بعض من تتلاعب بهم أهواء حزبية أو سلاحية أو أيديولوجية، أن الثورة لا تسمو على الواقع، ولا تتأثر به، ونجاحها حتمي، ولو لم تقدها قوى من جنسها. تعرف كيف تتحاشى، بما لديها من برامج الأخطاء القاتلة التي قوّضت ثورة السوريين، منذ فرض مذهبيون عليها هدفا دينيا، سعوا لتحقيقه بقوة السلاح، قوّض هدفها المدني/ السلمي المطالب بالحرية والعدالة والمساواة لجميع السوريين، وشحنها بانقساماتٍ خدمت النظام وحده، وبازدواجية بعثرت قواها، بينما كانت الأسدية تنتقل إلى الهجوم بقوى إيران وروسيا، وما حققته موسكو من شروخٍ وصدوع في المعارضة والحراك والفصائل، وأسهمت سياساتها فيه من بروز الإرهاب في مناطق الثورة، حيث أخمدت حراك الحرية السلمي/ المدني، وقوّضت وحدة السوريين، والجيش الحر، بسلاحٍ مذهبي تمسّك برهان ديني مستحيل التحقيق، كان عائده الوحيد تكبيد الشعب خسائر فادحة، وتسهيل مهمة الأسدية في تدمير عمرانه، وطرد نصفه من وطنه.
يعتقد ثوار آخر زمن أن الثورة منتصرة حتما، في جميع الظروف والأحوال، لمجرد أنها ثورة، وتتوافق مع أهوائهم، وأنها تكون بلا عيوب وأخطاء، لأنها ثورتهم التي لن تعرف الأخطاء، لأنهم منزّهون عن الخطأ، كما لا يستطيع الواقع أن يكون ضد الثورة، لكونه خاضعا هو أيضا لرغباتهم وأهوائهم.
بعد إنقاذ إدلب والشمال من الاحتلال الروسي/ الإيراني/ الأسدي، كان يجب أن يتوقف قتلة الثورة هؤلاء عند حقيقة تفقأ أعينهم، هي أن تركيا أنقذتهم وهم في الرمق الأخير، وأن الحراك السلمي/ المدني الذي تجدّد واجتذب قطاعات واسعة من الشعب هو فرصة السوريين الأخيرة لإنقاذ القليل الذي لم يزهقوا روحه بعد من ثورة الشعب. لذلك يجب أن ينضوي حراكه هذا في الإطار الذي كان للثورة، حين كانت الحرية برنامجها الوحيد.
بدل التوقف عند واقع الثورة وما تواجهه من مآزق أوصلتها إلى الهاوية، لن ينجح التصدّي لها من دون وقف الخلافات التي تعصف بصفوفها، وتزويدها برؤيةٍ وطنيةٍ جامعة، توحد الشعب في الداخل والخارج، وتفعّل حراكه، وتبعده عن المذهبية بربطه بالحرية وحدها، سارع بعض الصبية، ومن يقفون وراءهم، إلى استعادة الانقسامات التي دمرت أحلام السوريين، وضيعت تضحياتهم، وأوهمتهم أن رعونتهم هي الثورة وطريق انتصارها، وأن تشويه سمعة الآخرين يوصلهم إلى دمشق ويُسقط الأسد، فلا عجب إن أدت حماقاتهم إلى نفور الشعب منهم، وعزوفه الظاهر عن الاستجابة لدعواتهم بالتظاهر.
لا يجوز ترك حراك السوريين لكل من هبّ ودب، ولا بد من التقيد في تسمياته، بهدف الحرية. وبما يعيد إنتاج الثورة في الحاضنة السلمية/ المدنية التي كانت لها. تسميات الحراك شأن وطني، كالمظاهرات نفسها. لذلك، يجب تشكيل هيئة وطنية تضم قانونيين وساسة وعسكريين مهنيين وممثلي مجتمع مدني، تضع خريطة طريق وطنية لها، تحدد تسمياتها الأسبوعية والطارئة، وتتولى إبلاغ مؤسسات الحاضنة بما قرّرته، وتراقب اختراقات الجيش الإلكتروني الكثيرة، وتحمي الحراك من انقسامات وصراعات الموتورين الذين يتوهمون أن ترهاتهم هي الثورة.
ليست الثورة لعب أطفال، ومن الضروري إنقاذها منهم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.