إرهابيون داخل الحصون

إرهابيون داخل الحصون

17 نوفمبر 2018
+ الخط -
في إصداره الجديد، خصص تنظيم ولاية سيناء توجهه الدعائي لفئة محدّدة من المصريين، هي ضباط الجيش والشرطة، وذلك عبر ظهور علني للمرة الأولى لبعض من انضموا منهم للتنظيم. ويظهر في الفيديو حنفي جمال محمود وخيرت سامي عبد المجيد، وكلاهما تخرج عام 2010، والتحق بالخدمة في قطاع الأمن المركزي في قطاع العمليات الخاصة، مثل رفيق ثالث هو محمد جمال الدين عبد العزيز، وكلهم جزء مما يعرف بخلية ضباط الداخلية التي، حسب تحقيقات النيابة، أسّسها الرائد محمد السيد الباكوتشي، أحد أفراد مجموعة "الضباط الملتحين" التي ظهرت بعد الثورة، وفي عضويتها سبعة ضباط، منهم كريم حمدي الذي كان يخدم قطاع الأمن الوطني المكلف بحماية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما جعله يدبّر لاغتياله. وظهر في الفيديو ضابط الجيش السابق، أحمد محمود علي إبراهيم الذي قال إنه أمضى في المؤسسة العسكرية 14 عاماً بين الفنية العسكرية والقوات الجوية، وكريم عادل حفر الذي خدم في الجيش ضابط احتياط في الدفاع الجوي.
وتظهر عمليات متنوعة شارك فيها بعض هؤلاء الضباط السابقين بأنفسهم، مثل ذبح مدنيين من البدو، اتهموهم بالتعاون مع الجيش، وكذلك تفجيرات متنوعة أحدها في مصنع أسمنت.
ومن اللافت أن الإصدار ذكر أن بعض هؤلاء الضباط قُتل (وهو خير ختام بالشهادة حسب دعايتهم)، وتغافل عن ذكر أن ذلك هو ما حدث لآخرين أيضاً، كما أن جميع العمليات الكبرى التي ظهرت قديمة للغاية، بالاضافة إلى عملياتٍ محدودةٍ كتفجير ألغام لم يذكر لها نطاق زمني محدد، ما يشير إلى أن هذه الدعايات تخفي، في الواقع، تراجعاً حقيقياً على الأرض للتنظيم، لأسباب داخلية أو بموجب التراجع العالمي للتنظيم الأم. كما أن هذا الإصدار يأتي في سياق إصداراتٍ سابقةٍ، ركّزت على أعضاء التنظيم من خارج سيناء، ووجهت إليهم نداءات، ما يشير إلى الأثر السلبي لجنون التنظيم ضد المدنيين الذي بدأ بتكسير أجهزة التلفاز، وحرق شحنات السجائر، ولم ينته بقتل الأهالي بمختلف الأسباب.
يُحيلنا هذا إلى أنه، مرة أخرى، تسقط تماماً نظريات أن مصدر الإرهاب فئة معينة من المواطنين، وتحديداً ما يقوله إعلاميون محرّضون عن بدو سيناء، على الرغم من أن هؤلاء البدو أنفسهم، على أرض الواقع، لاقوا الويلات من التنظيم الإرهابي، وما مذبحة مسجد الروضة ضد الآمنين، وذبح الشيخ الجليل سليمان أبو حراز، بعيديْن عنا، بل إن الجيش نفسه استعان بمسلحين قبليين للقتال معه ضد الدواعش، وشهدنا كيف دفع سالم أبو لافي ورفاقه حياتهم ثمناً لذلك.
وفي إطار الصورة المركّبة، شهدنا كيف يحتفي الرئيس السيسي بالشيخ حسن خلف، ويقول له علناً "أنا أحبك". وذلك يحدث بعدما قتل الجيش نجل الشيخ بالخطأ، فتوجه وفد من القوات المسلحة لتعزيته.
وفي المقابل، تسقط أيضا الاستبعادات العاطفية من الطرف الآخر المعارضة، حين يقال إن فلان الطبيب أو طالب الهندسة تورّط بجريمة كذا، فيكون الرد التلقائي أن هذا تلفيق، بينما واقعياً لدينا إرهابيون ومجرمون من كل الطبقات والفئات بلا استثناء.
على صعيد آخر، تثير الوقائع مزيدا من الشكوك عن الكفاءة المهنية البحتة لهذه الأجهزة الأمنية التي تنتفض لشابٍّ يرفع لافتة أو هتافاً، ولا تترك فتاة نشرت "فيديو مسيئاً" من دون القبض عليها بسرعة خرافية، وفي المقابل، تغفل هذه الأجهزة، عن حصونها المهدّدة من الداخل.
ويمكن مد الخط تاريخياً، لنجد قائمة تصل إلى عبّود الزمر نفسه، مدبر اغتيال أنور السادات الذي كان ضابطاً في المخابرات. هل لدينا دراسات متراكمة عن آليات التجنيد وأسباب التحول؟ هل الجانب الأكبر لأسبابٍ شخصية أم سياسية أم فكرية أم مزيج منها؟ لا يبدو أن هذا متاحٌ في ظل الإهمال التام لحقول العلوم الإنسانية، بل الشك الأمني في من يناقش أمثال هذه الأسئلة باعتباره يقدّم "تبريراً للإرهاب"، بينما ما يقدمه بالتأكيد "تجفيف منابع الإرهاب".