العَلَم وأشلاء ليبرمان

العَلَم وأشلاء ليبرمان

16 نوفمبر 2018

علم فلسطين في مسيرة العودة في قطاع غزة (22/6/2018/Getty)

+ الخط -
يُنزل العلم الفلسطيني، في عاصمةٍ عربية، ويُرفع علم الكيان الغاصب. وعلى حدود قطاع غزة، يُنزل العلم الفلسطيني، فتتطاير أشلاء جنود محتلين في الهواء. وما بين ملاعب التطبيع، وساحات الكرامة، يحضر العلم الفلسطيني شاهداً على الانتصار في زمن الانكسار.
وللعلم بألوانه الأربعة حكاياتٌ لا تنتهي في الوجدان الفلسطيني. في الأخضر لون الأرض، وفي الأسود لون النكبة، وفي الأبيض لون السلام، وفي الأحمر دم الشهيد. يحمل الفلسطيني رائد زيدان العلم إلى قمة إيفرست، ليغرسه وشماً على وجه الأرض. ويحمل الفلسطيني حسّان نوفل العلم إلى قاع المحيط الهندي، ليزرعه في جذر الأرض.
يتباهى الفلسطيني، الكل الفلسطيني، بالعلم، ينشد له، تطرّزه نساء فلسطين على ثيابهن، يرسمنه وشماً على وجناتهن. يغني الشعراء للعلم "والله وشفتك يا علمي زينة رايات الأمم"، ويهزج له المقاتلون "يا راية شعبي المرفوعة في غزة ومرجعيون". يكفّن الشهيد بالعلم، ويزفّ العريس بالعلم. يحمل الفلسطيني العلم إلى منافيه، معطّراً بروائح الميرمية والزعتر وزيت الزيتون. يطير العلم بين الرصاص، يحلّق في سماء الوطن، طائرة من ورق أو كاوتشوك، يحرق مغتصبات المحتل، ويدبّ الرعب في قلوب الغاصبين.
يطارد جنود الاحتلال الأعلام المرفوعة على أعمدة الكهرباء، وفوق شرفات المنازل، فيتحدّى أطفال الحجارة عسكر المحتل بغرس العلم على ظهر جندي مدجج بالسلاح، أو على ظهر دبابة أو في خلفية جيب عسكري. يُجبر الجندي طفلاً على إنزال العلم، فيتسلق الطفل مُكرهاً عمود الكهرباء، لكنه لا ينسى تأدية التحية للعلم قبل إنزاله.
يتحدّى الشهيد الخالد ياسر عرفات العالم بالعلم الذي سيرفعه، يوماً ما، طفل من أطفال فلسطين، أو زهرة من زهرات فلسطين فوق كنائس القدس، ومساجد القدس. يُرفع العلم في المظاهرات والمسيرات والاحتفالات والأعراس ومواكب تشييع الشهداء. وتحت ظل العلم، يتجمع الفلسطينيون وأنصارهم من نادي يالستينو في تشيلي إلى ملاعب نادي سيلتك الاسكتلندي.
يُرفع علم فلسطين في الأمم المتحدة، في المحافل الدولية ومظاهرات التأييد لنضال الشعب الفلسطيني. يرفع نشطاء أيرلنديون علماً لفلسطين، على قمة جبل بلاك في بلفاست، احتجاجاً على مباراة كرة قدم بين فريقين، إسرائيلي وأيرلندي. ويلوح المغني البريطاني، روجر ووترز، بعلم فلسطين خلال حفل في روما. ترفع بلديات في بريطانيا علم فلسطين فوق مقراتها، ويُرسم العلم على واجهة مجلس العموم. وكذلك فعلت مدينة كري الفرنسية، برفعها علم فلسطين على واجهة مبنى البلدية الرئيسي مع لافتةٍ كتب عليها بالفرنسية "دعما للشعب الفلسطيني".
يغيظ العلم الفلسطيني الاحتلال، حتى في ألوان فاكهة البطيخ. يروي التشكيلي الفلسطيني، سليمان منصور، حكاية مثيرة للدهشة، جرت إبّان الانتفاضة الأولى، فيقول: "استدعتنا سلطات الاحتلال، أنا، ونبيل عناني، وعصام بدر، وقرأت علينا أوامر تتعلق بالممنوعات الإسرائيلية المتعلقة باللوحات والأعمال الفنية الفلسطينية، ومنها حظر رسم ألوان العلم الفلسطيني (الأبيض، والأسود، والأحمر، والأخضر)، وأي لوحة تتضمن هذه الألوان، حتى لو كانت تعرض بطيخاً، سوف تجري مصادرتها لتضمنها ألوانا ممنوعة".
يقهر العلم الفلسطيني الاحتلال، فتدرس حكومة اليمين الفاشي إصدار تشريع يُجرّم رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة، فترد جماهير الداخل الفلسطيني برفعه في ساحات تل أبيب، وتنشغل المواقع الإسرائيلية، الإخبارية والبحثية، باختلاف توجهاتها السياسية، بـ"دراما العلم" وأصله وتاريخه وعلاقته بالشعب الفلسطيني في الراهن.
في جديد المعارك بين العلم والاحتلال، ينتصر قماش العلم على جنودٍ من قماش. تمشي عنجهية الصهيوني على قدمين لإنزال العلم وإهانته. ترصد عيون حرّاس العلم من بعيد، يسير الجندي مغروراً بنصره، يعود بالعلم منكساً، يطرحه أرضاً عند أقدام الجنود. ينتفض العلم، ينفجر، تتطاير عنجهية الجنود أشلاء في الهواء، ويرتقي العلم مرفرفاً في سماء الوطن كما شاء. تطايرت أشلاء "النخبة" من جيش الاحتلال، وأخذوا معهم عنجهية وزير الحرب الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، ليهوي نحو من سبقوه ممن حلموا ببحرٍ يبتلع غزة.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.