لماذا تركت القطار وحيداً؟

لماذا تركت القطار وحيداً؟

22 أكتوبر 2018
+ الخط -
لم يطلقِ النارَ أحدٌ على ضحايا القطار، وهو على مرمى العين من سلا ومن العاصمة الرباط، إذْ لم يكنْ هذا القطار في حالةِ فرارٍ أو في أي وضعٍ يستدعي إطلاقَ النار عليه حمايةً للحدود، وتفعيلاً لقانون السيادة مثلاً!
كان القطار يسير نحو العاصمة، فجأةً خرج عن الطريق، وهو الذي لم يقترف هذا "السلوك الطائش"، منذ أكثر من عقدين، تُرى هل قررَ القطارُ هذا الزيغَ القاتلَ عن الطريق مُتلهفاً نكهةَ الحلوى وتلك "الرائحة" التي غمرتْ شارع محمد الخامس والنواحي منذ جمعة افتتاحِ خريفية البرلمان؟
وأضافَ صاحبي متسائلاً: أتراه قد تمردَ، حين تأكد أن البقاءَ وحيداً على السكة، وعلى الطريق هو الحمق عينه، أو هو جحيم القنوط في أوجه، والحال أن الطرقَ تشعبتْ بأهل البلد، وصار لكل من القائمين على شؤونه السكةَ التي يريد، والمحطةَ التي يشاء والمآلَ الذي لا ينجذبُ إلا نحو المجهول.
قلتُ مُستدركاً واضعاً الحد لخيالِ صاحبي الجامحِ هذا، وللتشاؤمِ الذي صار يغمرنا كالسيلِ الجارفِ أو كالطريقِ الذي لا مخرج له؛ ألم نقرأ سوياً ديوان أو قصيدة محمود درويش "لماذا تركت الحصان وحيداً"؟ أو ألم يصرخ الشاعرُ فينا صرختَه الحزينةَ المدويةَ هذه، حين كانتِ الشعرةُ الأخيرةُ "وليستِ الآخرة على كل حال!" من عُرْوَتِنا وعُرُوبتنا، تُمزقُ تحت أنظار معظم حكامنا ولا أقولُ تحت طائلةِ التواطؤ وتخاذلنا المريب مثلاُ، حتى لا أدفنَ تفاؤلي بيدي؟
ثم، ألا ترى معي، يا صاحبي، أننا حين تركنا الحصان وحيداً، كاد الأعداءُ أن يبتلعوا بلاد النيل والفرات وما بين النهرين، فزحفتْ لعنةُ الصحراء وبرودةُ نفطها قتلاً وتمزيقاً على البلاد والعباد، من "ليبيا المفروسة" إلى "اليمن المذبوحة"، ومن القدس السليبة إلى الشام الكبيرة؟
لا عليك، يا صاحبي، لعل حادث هذا القطار كالعادي تماماً، مثل قسوةِ مآلِ "حياة" وغيرها، مثل كل مَنْ رحلواً ويرحلون، ولعل كل مَنْ ماتواْ عندنا قد نجوا من الحياة بأعجوبة. ولعل هذا القطار الثائر أيضاً قد داخَ من فرطِ أثرِ انتقالِ الفصولِ ووقعِ المطرِ الزهيد وبعضِ التهاون والكسلِ القاتل، أو من زُعاقِ "رائحة" معظمِ السياسةِ والساسةِ في البرلمان وغيره، أو من هولِ هذا التيه الفظيعِ فينا، ومن حولنا، والزيغِ عن السكةِ، وعن الطريق السديد، أو أليستْ فواجع "الطبيعة" أرحم، وهي التي تخشى الفراغ؟ فما البالُ بالطريق، وقد صارتْ عندنا في عز وحدتها تنادي؛ لماذا تركت الطريق وحيداً، فلا تتركواْ القطارَ وحيدا، لا تتركواْ الطريقَ وحيدا، لا تتركواْ البلدَ وحيدا، لا تتركواْ الأملَ وحيدا، وإن تلفتمْ أو أُتلفتمْ حقا، شُدواْ على هذه الأرضِ طويلا...
محمد الفرسيوي
محمد الفرسيوي
محمد الفرسيوي
كاتب من المغرب.
محمد الفرسيوي