من جيرمي كوربن إلى تركي الحمد

من جيرمي كوربن إلى تركي الحمد

03 أكتوبر 2018

تركي الحمد وجيرمي كوربين

+ الخط -
لا يعكس عنوان هذه المقالة، بالطبع، محاولةً للمساواة في المكانة، أو في غيرها، بين زعيم المعارضة البريطانية وأحد الكُتَّاب السعوديين، بقدر ما تتوخّى تقديمهما نموذجيْن على موقفيْن يتباينان إلى حد الفجيعة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأقول إلى حد الفجيعة لأن جيرمي كوربن، السياسي الإنكليزي الذي يحظى بشعبيةٍ واسعةٍ في بلاده والعالم، أعلن مجدّداً تبنّي مواقف مبدئيةٍ، طالما عزف عن مثلها السياسيون العرب، أو معظمهم، بذريعة الحرص على عملية السلام الميتة سريرياً منذ ولادتها، بينما لم يتورّع تركي الحمد، الكاتب العربي الذي يهوى إثارة الزوابع، مهما كان الثمن، عن إطلاق "تغريدات" إشادةٍ بإسرائيل قد لا يجرؤ على قول ما يشبهها حتى نظراؤه البريطانيون، أو الأوروبيون عموماً، من غير أصحاب الانتماءات والميول الصهيونية.
ففي حين كانت أعلام فلسطين ترفرف، الأسبوع الماضي، بكثافةٍ مثيرةٍ للأمل، فوق رؤوس المشاركين في مؤتمر حزب العمال البريطاني، وكان قادتُه، بمن فيهم كوربن نفسه، يتسابقون إلى إعلان عزمهم على الاعتراف بدولة فلسطين، إن فازوا بحكم بلادهم في الانتخابات المقبلة، اختار الحمد، وهو بالمناسبة بعثيٌّ سابق، أن يركب موجة الجدل بشأن تصنيع حزب الله صواريخ دقيقة، ليعلن ثقته الكبيرة جداً بنزاهة الإعلام الإسرائيلي، مستأنفاً بذلك كتاباتٍ سابقةً كان أكد فيها توافقه مع المتحدّث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، قائلاً: "لا يعني كونك إسرائيلياً أن لا أتفق معك، فالحق أحق أن يتبع".
وفي تفاصيل هذين الموقفين غير الرسميين، البريطاني والسعودي، يمكنك اليوم أن تقرأ استمرار كوربن بالتنديد، دونما كلل، بالسياسات العنصرية لحكومة بنيامين نتنياهو، واستنكاره وحزبه استخدام إسرائيل القوة لقمع مظاهرات غزة، ودعوته إلى الكفّ عن بيعها أسلحة بريطانية، كما يمكنك أن تقرأ، في المقابل، هذيان الحمد إياه، ومن لفَّ لفّه من الكتاب السعوديين المتصهينين، لتبرير التقارب مع دولة الاحتلال، باتهام الفلسطينيين بالتخلي عن قضيتهم، بعدما عانى السعوديون والعرب منذ عام 1948 بسببها، وتعطّلت التنمية في بلادهم، ليستعيدوا فلسطين "التي لو عادت فلن تكون أكثر من دولةٍ عربية تقليدية" بحسب تعبيره، في ما يوصف مجازاً بالتغريد على حسابه في موقع تويتر.
وإن يكن مفهوماً هنا، من غير شك، أن قيم الديمقراطية الغربية فيها من السعة ما يمنح كوربن، وأي مواطن بريطاني، حقّ قول ما يناقض الموقف الرسمي لبلاده في أي شأنٍ من شؤون الدنيا، فإن سلوك الدكتاتورية السعودية التي تعاقب حتى الصامتين على خلافها مع دولةٍ شقيقةٍ كقطر، هو ما يستدعي السؤال عن سبب إطلاق العنان لقطيعٍ من الكتاب والصحافيين والباحثين السعوديين الذين ما عاد لهم شاغلٌ يشغلهم سوى ترويج الأكاذيب عن بيع الشعب الفلسطيني أرض وطنه، ليبرّروا هرولتهم المشينة نحو التطبيع العلني مع إسرائيل، بالزيارات، كما بالتصريحات.
وقد لا يحتاج الجواب على مثل هذا السؤال سوى إلى إعادة التذكير بسيلٍ من تصريحات قادةٍ إسرائيليين لم ينفها نظراؤهم السعوديون، عن تقارب الجانبين إلى حد التطابق، لا سيما في مجال محاربة الإرهاب، بل سمع العالم ما يعزّز صدقيتها، وإنْ على نحوٍ غير مباشر، عبر إطلاق ولي العهد محمد بن سلمان شخصياً، تصريحاتٍ أسوأ عن حق إسرائيل في "دولة على أرضها التاريخية"، ثم إن هؤلاء الكتاب الذين لم يتعرّض أي منهم للاعتقال أو المساءلة على اتصالاته بإسرائيل، أو حتى دعائه لطياريها بالنصر في صلواته، يحظون جميعاً بصلات وطيدة مع ولي الأمر، ويتبوأ بعضهم مناصب هامة في وسائل إعلام تمولها الرياض وتبث منها، ومن دبي، حتى ليمكن اعتبارهم متحدثين رسميين فعلاً باسم المملكة في زمن سلمان بن عبد العزيز وابنه، لكن من دون إسباغ هذه الصفة عليهم علناً.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني