ربط الأحزمة إيرانيًا

ربط الأحزمة إيرانيًا

03 أكتوبر 2018
+ الخط -
مع اقتراب موعد فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية، تستعد إيران لمواجهة صعبة على أكثر من صعيد، تهدف، في الحد الأدنى، إلى إجبارها على التفاوض على اتفاق نووي جديد، يتضمن مسائل تجاهلها الاتفاق السابق، أهمها برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي، في حين تهدف، في حدها الأعلى، إلى إثارة الشارع، على أمل أن يؤدي ذلك عند نقطة معينة إلى ثورة شعبية تطيح النظام. وعلى الرغم من اختلاف التقديرات بشأن قدرة هذه الضغوط على تحقيق أيٍّ من أهدافها، وتعلق بعض الآمال بالمقاومة التي تبديها بقية أطراف الاتفاق النووي (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) للجهود الأميركية الساعية إلى تقويضه، إلا أن المراقب لا بد أن يلحظ حراجة الوضع الذي تمر به إيران في مواجهة إصرار أميركي لا تخطئه العين على استهدافها.
اقتصادياً، تتعرّض إيران لضربات قوية، تكاد تأتي على مقدّراتها، ولمّا تدخل بعد الحزمة الأشد من العقوبات عليها. ومنذ قرّرت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار الماضي، تشهد إيران خروجاً جماعياً للشركات الأوروبية التي تجاهل أكثرها مناشدات حكوماتها البقاء. أما العملة الإيرانية فقد دخلت على ما يبدو في "مزاج" السقوط الحر، إذ خسر الريال الإيراني أكثر من 70% من قيمته منذ مطلع العام مقابل الدولار الأميركي. ويوضح الفرق بين السعر الرسمي (42 ألف ريال) وسعر السوق السوداء (186 ألف ريال) حجم المأزق الذي تواجهه حكومة الرئيس حسن روحاني في الدفاع عن العملة.
هذا ليس أسوأ ما في الأمر على أية حال، ذلك أن رهانات إيران على القوى الدولية لإفشال الجهود الأميركية الرامية إلى منع تصدير نفطها كلياً، والتي تنطلق خلال شهر، قد لا تكون في محلها، فقد نشرت وكالة رويترز قبل أربعة أيام خبرًا "صادمًا" مفاده بأن شركة "بترول الصين الوطنية"، المملوكة للدولة، قرّرت خفض مشترياتها من النفط الإيراني بمقدار النصف، بعد زيارة قام بها إلى بكين مسؤول أميركي كبير، سلم فيها الصينيين ما يشبه الإنذار. والواضح أن الصين التي دخلت حرباً تجارية طاحنة مع أميركا وجدت نفسها أمام خيار الاستمرار في شراء النفط الإيراني، أو تعريض النصف الآخر من صادراتها إلى السوق الأميركية (قيمتها 250 مليار دولار) لخطر فرض رسوم جمركية. أما روسيا، فقد غدت، في الآونة الأخيرة، عرضة لانتقادات إيرانية متزايدة، مردّها أنها تنتهز فرصة العقوبات الأميركية للاستيلاء على حصة إيران في سوق النفط العالمية. أما الأوروبيون فتحيط شكوك كبيرة بقدرتهم على تحدّي واشنطن، بخصوص إنشاء نظام تحويلات مستقل، أو نظام مقايضة، يسمح باستمرارهم في شراء النفط الإيراني، علمًا أنه لا توجد شركة أوروبية واحدة تقبل التأمين على الناقلات التي تحمل هذا النفط منذ مطلع شهر أغسطس/ آب الماضي.
عسكرياً، يبدو أن رأي إدارة ترامب استقر أخيراً على الاحتفاظ بقواتها في سورية (والعراق طبعاً)، ما يعني أن واشنطن باتت تحيط بإيران من كل اتجاه، من عُمان جنوبًا، حيث تبني واشنطن قاعدة جوية كبيرة في ثمريت (ظفار)، إلى تركيا شمالًا، ومن أفغانستان شرقًا إلى سورية غربًا. أما أمنياً، فتدل سلسلة الهجمات التي تعرّضت لها إيران أخيرًا، بعد أنباء عن محاولة اغتيال تعرّض لها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في محافظة صلاح الدين شمال العراق، أن واشنطن نقلت معركتها مع الحرس الثوري إلى الداخل الإيراني. وتشير السهولة التي نُفذت بها عملية الأهواز، وسقوط قتلى كثيرين فيها، واختلاف القيادات الإيرانية في تحديد الجهة المسؤولة عنها، إلى خلل كبير وارتباك يعتري بنية الحكم في إيران. أما الرد فقد كشف عن مواطن ضعف أكثر مما أظهر من قوة، فالصواريخ التي احتفت إيران بإطلاقها، ردًا على هجوم الأهواز استهدفت سورية، باعتبار أن الأخيرة باتت "ملطشة"، لا تنطوي مهاجمتها على أي مخاطرة، فيما كان يفترض أن تتّجه هذه الصواريخ إلى مناطق أخرى تتفق مع اتهام إيران لها بالمسؤولية عن الهجوم! الأسوأ أن بعض الصواريخ لم تسقط، كما أعلن الحرس الثوري، في البوكمال على "رؤوس قادة تنظيم داعش"، وعلى بعد "أمتار من رعاتهم الأميركيين"، بل سقطت هناك بعيدًا في الأنبار، ربما لتضليل العدو، ليس إلا!