صديقي الحيوان

صديقي الحيوان

26 يوليو 2017
+ الخط -
لا تختلفُ تفاصيلُ حياة رشيد في قطاعِ غزة عن شبابٍ كثيرين، فهو يعيشُ فصولَ المعاناةِ مجتمعةً من "إغلاقٍ للمعابرِ وانقطاعٍ للكهرباء وتلوثٍ لمياهِ البحر وانعدامِ المياه العذبة والأمن الغذائي والبطالة وغيرها ...".
إلا أن رشيد يختلفُ في معالجتِه تلك التفاصيلِ عن غيرِه من خلال مجموعةِ الأصدقاء المحيطين به، وهم طيور وأسماك وقطط وكلاب وزواحف، يجدُ رشيد في هؤلاء أصدقاءَ له يكتمون سرَّه بالليل، ويغرّدون له في كلِّ صباح.
رشيد عنبر (31 عاما) حاصلٌ على شهادةٍ في الاقتصادِ والعلومِ السياسية من جامعةِ الأزهر في غزة، لم يجدْ له مكاناً في دوامةِ السياسةِ، ولم يستطعْ أن يدفعَ العجلةَ الاقتصاديةَ للبلادِ إلى الإمام.
ما يستطيعُ فعلَه رشيد تربيةُ الطيورِ في بيتِه الصغير، حتى أصبحت مصدرَ رزقٍ له بالإضافةِ إلى هوايته. أخيرا أطلق رشيد مبادرةً اسمها "صديقي الحيوان". يقدمُ من خلالها حلولا للمشكلات النفسيةِ والسلوكيةِ للأطفالِ في غزةَ من خلال كسرِ حاجزِ الخوفِ لديهم، إذ شَرَحَ لهم أنواعَ الحيواناتِ والطيور الأليفة وأشرَكَهم بالأنشطةِ المهارية التي تمكنُهم من لمسِ الطائرِ والتعامل معه عن قربٍ ولمس الحيوانات والتعرف على أنواعِها وصفاتِها وخصائصها.
يصطحبُ رشيد في الصباح ببغاواته الإفريقية، وببغاء الدرة والكوكتيل وطائرَ الحب وطائرَ البادجي وجميعُهم طيورٌ مروضةٌ وأليفةٌ وقططه وكلابه والهامستر والقنافذ والأفاعي والأسماك.. ويذهبُ بها إلى أحدِ المخيماتِ الصيفية، ليقدمَ حلولا سلوكيةً للأطفالِ من خلال معرفةِ السلوك العصبي والانفعالي عند الطفلِ، وتقييمه حسب طبيعةِ الحيوان، أو الطائر الذي يتعاملُ معه.
يسعى رشيد إلى دمجِ الأنشطةِ الترفيهية والتعليمية بالحيوانِ، من خلالِ نصائحَ سلوكيةٍ يقدمُها للأطفالِ عن كيفيةِ الرأفةِ بالحيوان، وحبه وتقديم الطعام له. في المخيمِ الصيفي، لا يمكنُك أن تصفَ السعادةَ التي يشعرُ بها الأطفالُ عند تعاملِهم مع الحيواناتِ والطيورِالأليفة.
وجد رشيد أن هناك عنفاً كبيراً عند عددٍ من الأطفالِ في تعاملِهم مع الحيواناتِ والطيور، حيث استعان ببعضِ عروضِ الفيديو عن الطيورِ والحيوانات، ولاحظ مدى تأثرِالأطفالِ بطريقةِ حياة الطيور والحيوانات، ما يريدُ أن يصلَ إليه رشيد من خلال تلك المبادرةِ هي كسرُ حاجزِ الخوفِ عند الأطفالِ، وإيجاد طرقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ للتعاملِ معهم، من أجل حلِّ مشكلاتهم السلوكية والنفسيةِ، خصوصا في ظلِّ الظروفِ التي يعيشُها قطاعُ غزة. إلا أنّ لرشيد غايةٌ أخرى من وراءِ ذلك، وهي كسبُ رزقِه، خصوصا أنه أصبحَ غيرَ قادرٍ على توفيرِ المأكلِ والمشرب ِفي الآونةِ الأخيرة، لعدمِ إقبال مواطني غزة على شراءِ الطيورِ والحيوانات، فهي بحاجةٍ دائمةٍ للطعام، وهذا فاق قدرةَ رشيد على توفير الأكل لها، فأراد أن يستفيدَ من وجودِها بتوفيرِ عروضٍ للأطفالِ في أماكنِ تواجدِهم.
أخيراً، وجد أطفال قطاع غزة ضالتهم، وعقدوا صداقات جيدة هذا الصيف، مع مجموعة من الحيوانات والطيور، هي كفيلة أن تعلّمهم حب الأوطان وأهمية العيش بسعادة، وأن تتوكل على الله في طلب، رزقها وأن تغرّد في كل صباح وتشدو بالأناشيد الصباحية، لاعنين ظروف الكهرباء والماء والحصار والإغلاق وغيرها من منغصّات الحياة، ومسبّبات ارتفاع ضغط الدم وتجلطاته، فحياه أطفال غزة يتم تعبئتها في مصنع الحياة الذي يحدّه البحر الملوث من الغرب والسياج والحدود من الشرق والشمال والجنوب وكلها مغلقة.
رشيد حالةٌ فلسطينيةٌ أرادت أن لا تبقى حبيسةَ البيت، تنتظرُ فرصةَ عملٍ مؤقتةٍ أو دائمة، بل استشعر الخطرَ، عندما وجد أنه ليس وحدَه الذي يعيشُ ظروفَ البطالةِ وانعدامَ فرصِ العمل، فقررَ أن يصنعَ مبادرةً تساعدُه على كسبِ رزقِه وقوتِ يومِه.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)