مقدونيا والانضمام إلى "الأطلسي" والاتحاد الأوروبي

مقدونيا والانضمام إلى "الأطلسي" والاتحاد الأوروبي

20 يوليو 2017

زوران زايف ويوهانس هان في سكوبي (26/6/2017/الأناضول)

+ الخط -
صادقت، نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، الأغلبية الجديدة في البرلمان المقدوني، المتمثلة بكتلة الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، بزعامة زوران زايف، والأحزاب الألبانية، على تعيين طلعت جعفري من الأقلية الألبانية، والعضو في الكتلة البرلمانية ذات الأغلبية، رئيسًا للبرلمان، ما أدّى إلى مواجهاتٍ دموية في مقر مجلس الشعب، حيث اقتحمه مئات المواطنين، وانهالوا بالضرب على بعض النواب، ومن ضمنهم داميان مانتشيفسكي ومكسيم ديمترييفسكي وزوران زائف الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للوزراء. وجدّدت الأحداث التي شهدتها مقدونيا، أخيرا، المخاوف من اندلاع حروبٍ ومواجهاتٍ على خلفية عرقية ودينية لدى دول الجوار التي راقبت الأحداث بقلق كبير، أخذًا بالاعتبار الكراهية الشديدة التي تعصف في الإقليم بين الأقليات المختلفة. كما تجمّع آلافٌ أمام البرلمان المقدوني تعبيرًا عن رفض تعيين الجعفري رئيسًا للبرلمان الجديد، معتبرين ذلك بمثابة انقلاب دستوري ووطني ضدّ جمهورية مقدونيا. أشرفت على تنظيم هذه الإضرابات العارمة مبادرة شعبية، تحت مسمّى "من أجل مقدونيا موحّدة"، تسعى، بصورة أساسية، إلى القضاء على الحضور والتأثير الألباني في القرار السياسي المقدوني.
زاد في الطين بِلّة أن رئيس البرلمان الجديد الجعفري تحدث باللغة الألبانية، بعد أدائه قسم الولاء أمام قوام البرلمان المقدوني، إضافة إلى مطالبة النائب زكريا إبراهيم بالاستماع للنشيد الوطني الألباني، ما أدّى إلى رفع حدّة التوتّر في قوام البرلمان، وثورة نواب حزب "المنظمة المقدونية الثورية العظمى"، واندفاع مئاتٍ من المواطنين الساخطين إلى حرم البرلمان، والاعتداء على بعض نواب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي.
تجديد الحوار مع بروكسل
تمكّنت الأوساط السياسية في مقدونيا من احتواء الأزمة بصعوبة، إثر تدخّل الرئيس غيورغِ 
إيفانوف، وقادة سياسيين عديدين في دول الجوار، للحيلولة دون اندلاع صراع طائفيٍّ قد يشعل فتيل الحرب الأهلية في الإقليم، وتمكّن زوران زايف لاحقًا من الفوز بمنصب رئيس الوزراء، وسرعان ما رسم أولويات حكومته المقبلة، وأهمّها تسريع عملية الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.
تحاول الحكومة المقدونية الجديدة، بزعامة زوران زايف، جاهدة تجديد الحوار مع بروكسل، بغية البدء بالخطوات العملية لانضمام مقدونيا لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وهو طموح مرهون بشروط كثيرة، حسب اتفاقية ماستريخت التأسيسية للمنظومة الأوروبية.
وقد سارع رئيس الوزراء الجديد، زوران زايف، بعد أن شهد البرلمان المقدوني عمليات عنف غير مسبوقة، واعتداءاتٍ على أقطاب الحراك السياسي، بزيارة بروكسل في محاولةٍ لتحريك ملف انضمام بلاده للمؤسسات الأوروبية.
في هذا السياق، أوضح القادة الأوروبيون، وفي مقدّمتهم رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، للزعيم المقدوني، أنّ الانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي يتطلب الموافقة على قضايا جوهرية ومبدئية مرتبطة بملفات الخلاف مع دول الجوار، وتحديدًا بلغاريا واليونان، وضرورة التوصّل إلى صيغة تفاهم مع البلدين، قبل إعلان ترشيح مقدونيا.

معاهدة حسن جوار
بلغاريا من أولى الدول التي اعترفت بجمهورية مقدونيا، وقدّمت للدولة الجارة سربا من الآليات والدبابات لدعم تأسيس الجيش المقدوني عام 1999، لكن، وبعد سنوات قليلة، هاجمت مقدونيا بلغاريا، متّهمة إياها بتقديم آليات قديمةٍ لا تصلح لرفع مستوى الدفاع لدى الجيش المقدوني، تبع ذلك تصعيد على الصعيد التاريخي والحضاري. والمعروف أنّ الدولتين ترتبطان بتاريخٍ مشترك عبر القرون الطويلة الماضية، وتصرّ مقدونيا على أنّ الملوك والأبطال التاريخيين والعلماء والشعراء وقادة الإقليم هم من أصول مقدونية وليس بلغارية. وذهب متطرفون إلى أبعد من ذلك، حين أقدم الصحفي ومقدّم البرامج، ميلينكو نيديلكوفسكي، على تحطيم نصب لمقاتلين بلغار على قمّة كايماك - تشالان، مقاتلين ساهموا بعملية تحرير المنطقة عام 1916، عدا عن مئات المقالات المعادية لجمهورية بلغاريا، ورفض الاعتراف بمساهمة الملك بوريس - ميخائيل البلغاري خلال القرن العاشر بالعمل على وضع واعتماد الأبجدية السلافية التي يستخدمها في الوقت الراهن قرابة 300 مليون مواطن في أوروبا الشرقية وروسيا ومنغوليا والاتحاد الأوروبي.
حال هذا الخلاف دون التوقيع على معاهدة حسن جوار ما بين بلغاريا ومقدونيا، منذ ما يزيد على عقدين. وحسب القوانين الأوروبية، يتعذّر انضمام عضو جديد للاتحاد الأوروبي من دون الحصول على موافقة الدول المحيطة، وعقد اتفاقيات حسن جوار.
وكانت بروكسل المحطة الأولى التي زارها رئيس الوزراء المقدوني الجديد، زايف، ليستمع مجدّدًا للأسطوانة نفسها، حيث ردّد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، على مسامعه الشروط المعروفة مسبقًا لترشيح مقدونيا لعضوية الاتحاد. وخلال أيام معدودة، طلب الزعيم المقودني لقاءً عاجلا مع زميله البلغاري، بويكو بوريسوف، وكان له ذلك.
وضعت بلغاريا شروطًا مبدئية لإبرام اتفاقية حسن جوار، أهمّها الاعتراف بالأبطال التاريخيين الذين ساهموا ببناء جمهورية بلغاريا وتطويرها، وإدراك مقدونيا بوجود تاريخ مشترك ما بين البلدين. وعليه، طالب الحكومة المقدونية الجديدة بتعديل المناهج التربوية المتداولة، والاعتراف بحقائق ووقائع موضوعية، أهمّها: مقدونيا المعاصرة تمتلك تاريخًا جديدًا يبدأ منذ الاعتراف بها دولة مستقلة عام 1989. في هذا السياق، من المتوقع أن تعمل لجان بلغارية مقدونية مشتركة، للتوصل إلى نتائج محدّدة، وطرح حلول ناجعة بشأن قضايا الخلاف، والتوقيع على اتفاقية حسن جوار خلال شهر أغسطس/ آب المقبل.

اليونان تطالب بتغيير اسم مقدونيا
من المقرر كذلك أن يقوم زوران زايف بزيارة رسمية لأثينا، لتقريب وجهات النظر بين
البلدين. وكان قد عيّن الدبلوماسي المخضرم، نيكولا ديميتروف، وزيرًا للخارجية وقد شغل سابقًا منصب سفير مقدونيا لدى هولندا وألمانيا وروسيا، وهذا دليلٌ على التوجّهات الأطلسية والأوروبية لحكومة زايف. وصرّح ديميتروف بأنّ زيارته الأولى ستكون لأثينا لإبراز الوجه الديمقراطي والحضاري الجديد لمقدونيا، ورغبة بلاده بإيجاد حلول مقبولة لدى كل الأطراف في القضايا المستعصية منذ عقود طويلة.
وتطالب اليونان بتغيير اسم مقدونيا، لأنّه يتطابق مع الأراضي اليونانية الموجودة في شمال البلاد، ما يعني وجود مطامع جغرافية لدولة مقدونيا تجاه أثينا، قد تظهر في المستقبل نتيجة لتطابق الأسماء، ولا توجد نيات لدى الحكومة اليونانية للتراجع عن هذا المطلب الاستراتيجي، لأنّه يحمل أبعادًا جيوسياسية في إقليمٍ قابلٍ للانفجار لأتفه الأسباب. وأكّد الاتحاد الأوروبي على أحقيّة المطالب اليونانية، ليصبح شرط تخلّي مقدونيا عن اسمها أساسيًا لترشّحها لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
يدرك رئيس الوزراء زايف هذه الحقائق جيّدًا، وسيبذل جهده لتنفيذها، على الرغم من المعارضة الكبيرة التي يواجهها في البلاد على الصعيدين، السياسي والإعلامي، حتى إنّ بعض وسائل الإعلام اتهمته بالخيانة والعمالة، وهدّدت دول الجوار بلغاريا واليونان، ولكنْ لكلّ استحقاق ثمن، وعلى مقدونيا أن تفكّر جدّيًا بمواقفها المقبلة، إذا رغبت بالخروج من عزلتها والاستفادة من فرص الانضمام لحلف الناتو ومؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تضمن لها الحصول على مساعدات الصناديق الأوروبية في أقرب فرصةٍ ممكنة، لتطوير بناها التحتية، وضمان إمكانيات الدفاع الموحّد لحلف الناتو أسوة باليونان وبلغاريا ورومانيا.

وساطة أممية ما بين مقدونيا واليونان
زار المبعوث الأممي، ماتيو نيمتس، العاصمة سكوبي، للتوسّط بشأن الأزمة مع اليونان، ومحاولة إقناع الطرفين للجلوس حول طاولة المفاوضات، لحلّ معضلة اسم جمهورية مقدونيا، والتقى بالرئيس إيفانوف ورئيس الوزراء زايف ووزير الخارجية ديمتروف. وحسب نيمتس، لا يمكن تأخير المحادثات بين البلدين، إذا رغبا بتحقيق الأمن والسلام، ورفع سبل التعاون في الإقليم. وزار المبعوث الأممي أثينا بعد ذلك، ليلتقي القادة اليونانيين، ولا يتوقّع نيمتس نتائج محدّدة في المستقبل المنظور، وطرح بدائل لحلّ هذه الأزمة بين البلدين، لكنّه يهدف من زياراته المكوكية إلى تشجيع الطرفين للجلوس، ومناقشة هذه المشكلة بهدوء، بعيدًا عن التصعيد الإعلامي والشعبي، خصوصا أن المطالبة بتغيير اسم دولةٍ سابقةٍ على الصعيدين، الدولي والإقليمي.
يبدو السفير الأممي غير متفائلٍ بشأن إجبار مقدونيا على استبدال اسمها. ومع ذلك، يرى أنّ حكومة زايف الجديدة مجبرةٌ على التعامل مع هذا الملف بصورة عاجلة، أخذًا بالاعتبار حاجة مقدونيا لتسريع انضمامها لحلف الناتو والمنظومة الأوروبية وكسر العزلة التي تعاني منها منذ قرابة عقدين.

توقّعات وطموحات عديدة
تأمل فئات المجتمع المقدوني أن تتمكّن حكومة زوران زايف من إعادة النظر بالهيكلية السابقة التي تركتها حكومة غروئفسكي، ومكافحة أوجه الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة، والتخلّص من العقيدة القومجية، واستثمار الأوضاع الجيوسياسية المواتية للبحث عن أقصر الطرق للانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
كما يحاول زوران زايف وقف التدخّلات الروسية في الشأن الداخلي للبلاد، حسب صحيفة ذا
غارديان، وما سرّبته أجهزة الاستخبارات المقدونية وبعض دول البلقان التي تتهم الكرملين بالوقوف خلف الأحداث الدموية التي شهدها البرلمان المقدوني قبل قرابة الشهرين، وأنّ هذه العمليات قد نفذّت بالتنسيق مع بعض الجهات الموالية لروسيا في صوفيا وبلغراد، من دون وجود أدلة عملية ومباشرة على ذلك، لأنّ روسيا تمتلك القدرة على فعل الكثير، وليس مجرّد تفعيل القلاقل ونشر الفوضى في الحياة السياسية والاجتماعية في مقدونيا، أخذًا بالاعتبار عدم وجود استثمارات روسية كبيرة في القطاعات الحيوية في مقدونيا، ولا توجد لدى روسيا دوافع موضوعية للقيام بذلك. يتمثل الهدف الحقيقي غير المعلن من هذه التسريبات برغبة مقدونيا بكسب تعاطف حلف الناتو وتسريع انضمامها للحلف، عقب انضمام جمهورية الجبل الأسود، والتخلّص نهائيا من التأثير المباشر لبلغراد والتأثير الكامن لموسكو، ويبقى الرهان، في نهاية المطاف، مرتبطًا بأثينا.
لم يترك اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتسياس ومثيله المقدوني نيكولا ديميتروف شكوكًا في الموقف الذي تبنّته أثينا التي اشترطت تنازل مقدونيا أولا عن اسمها، واستبداله قبل الموافقة على انضمامها لحلف الناتو. لكن السياسة هي فنّ الممكن، واليونان تعاني، في الوقت الراهن، هي الأخرى من مشكلات عديدة على الصعيد الاقتصادي، وقد تجد نفسها مجبرة في وقتٍ لاحق للتنازل عن هذه الأولوية، والموافقة على انضمام مقدونيا لحلف الناتو، ثمّ مناقشة شأن استبدال اسمها بآخر.

مشكلات اقتصادية وفساد
عدا عن المشكلات والتعقيدات في ملف السياسة الخارجية، تعاني مقدونيا من مشكلات عديدة على الصعيد الداخلي، وسيجد رئيس الوزراء زايف نفسه مجبرًا على التعامل معها بجدية، والاضطرار لاتخاذ إجراءات غير تقليدية، قد تؤدّي إلى خفض شعبيته في البلاد، من دون اعتبار ذلك انتقامًا من المعارضة التي من المتوقع تأويلها خطواته على هذه الشاكلة.
أهم الخطوات المتوقع اتخاذها بصورة عاجلة تجميد مشروع "سكوبي 2014"، لكلفته الهائلة، مع أنّ الحكومة السابقة أكّدت أنّ التنقيب عن الآثار التاريخية لتخليدها لا تتجاوز كلفتها 80 مليون يورو، لكنّ القيمة الفعلية لأعمال التنقيب وتبعاتها تزيد على 670 مليون يورو، من دون وجود حاجة عملية لهذه الإنجازات، في وقتٍ تسعى فيه الحكومة المقدونية إلى رفع مستوى الحياة ومكافحة الفساد وخفض ميزان الصرف في الموازنة السنوية لتجنّب العجز المالي، وتقديم الأولوية للمشاريع التنموية. أمّا الآثار فتتكاثر وتزداد في العاصمة سكوبي، مع كلّ ضربة معول؛ وعلى الرغم من الانطلاقة الواعدة لرئيس الوزراء الجديد، إلا أنّ محاولة اغتيال وزير الصحة السابق وأحد قادة الأحزاب القومية في مقدونيا تركت ظلالا قاتمة، لا تبشّر بخير في الأوساط السياسية، وقد ترفع من معدّلات المواجهة بين حكومة زايف والمعارضة.
59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح