عاش الدكتاتور ويسقط الشعب

عاش الدكتاتور ويسقط الشعب

20 يوليو 2017
+ الخط -
ظهرت منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية دعواتٌ إلى بقاء بشار الأسد في السلطة، بل إنّ إدارة ترامب لم تكن تعبأ حتى ببقاء الأسد مدى الحياة أو إلى الأبد كما يحلو لأنصاره وأنصار والده من قبله، إلى أن جاءت الهجمة الكيماوية الأسدية التي تسبّبت بمجزرة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، حيث وجدها ترامب فرصة ثمينة للمزاودة على سلفه باراك أوباما الذي يتحمّل بسياساته الانطوائية جزءا كبيرا من المسؤولية عن تعقيدات الوضع السوري، وخصوصا في إحجامه عن دعم الجيش السوري الحر، وعدم السماح بتسليحه بمضادات طيران، على الرغم من كل الجرائم التي كان وما يزال يرتكبها سلاح الجو التابع للأسد، فمع الهجوم على خان شيخون، عاودت الإدارة الأميركية برئاسة ترامب إلى الضغط على الأسد بضربها مطار الشعيرات في رسالة بأنها لن تقبل باستخدام السلاح الكيماوي، تحت أي ظرف وأيّ مسمّى، وعادت الإدارة الأميركية لتطالب برحيل الأسد.
وبعد فترة وجيزة، عادت اللهجة الأميركية إلى خفض سقف المطالب والقبول الضمني ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية التي لا يعرف أحد متى يحين وقتها، متأثرة وربما متناغمة مع رأي الإدارة الفرنسية الجديدة برئاسة الرئيس الليبرالي الجديد، إيمانويل ماكرون، الذي فاجأ الجميع بأنه لا مشكلة لديه في بقاء الأسد في السلطة في أثناء المرحلة الانتقالية، مع تشديده على عدم قبول استخدام السلاح الكيماوي والتهديد والوعيد بعقاب النظام، فيما لو تم استخدامها، وهو في نظري ترضية وتغطية على تراجع الموقف الفرنسي في عهد ماكرون، خصوصا إنّ فرنسا في عهدي الرئيسين، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، كانت صاحبة موقف متقدم على جميع الدول الأوروبية، وداعمة بشكل كبير للثورة السورية، إلى حد استعدادها لضرب الأسد في عام 2013 بعد مقتل أكثر من 1300 مدني سوري في الغوطة الشرقية، وكان لفرنسا وقتئذ الصوت الأعلى في الدعوات إلى إسقاط الأسد، لأنه أساس المشكلة ومغناطيس التطرف.
باب التنازلات من فرنسا ماكرون وأميركا ترامب فيما يتعلق بمصير الأسد وبقائه في السلطة في المرحلة الانتقالية، فتح الباب لبقاء الأسد في السلطة مدى الحياة، مثل والده، على الرغم من أنه سيُنظر إليه كمسخ ومجرم، إلا أنه لا بديل عنه كما صرح ماكرون، بحجة أنّ البديل هو تنظيم الدولة الإسلامية والمتطرفون، على الرغم مما في هذا الطرح من ادعاءات كاذبة بحق الشعب السوري الذي دفع نحو مليون شهيد وقرابة سبعة مليون نازح داخل الخيام يعانون البرد في الشتاء، والحر في الصيف، والجوع والمرض، وأكثر من خمسة مليون لاجئ في شتى أصقاع الأرض من مغربها إلى مشرقها، فضلا عن مئات آلاف من المعتقلين والمقتولين والمعذبين في معتقلات الأسد التي تعادل في بشاعتها معتقلات هتلر وستالين، ولربّما فاقت بشاعتها معتقلات كل الطغاة المجرمين.
تظهر هذه الإحصائية المبسطةلنا حجم الكارثة الأخلاقية والقيمية قبل الكارثة الإنسانية المتمثلة في النزوح واللجوء والموت والاعتقال، تلك الكارثة التي يتحملها نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي أخذ على نفسه عدم السماح بمذابح أو جرائم ضد الإنسانية.
لا يمكننا أن ننكر التقصير الكبير الذي وقعت فيه الثورة السورية، وعدم قدرتها على تقديم خطابٍ متوازنٍ يعادل حجم التضحيات، لكن أي عاقل أو أي شخصٍ منصف لا يمكن أن يعتبر الأسد جزءا من الحل، لأنه أساس المشكلة، وهو الذي تسبّب بإجرامه اللامحدود وبيعه سورية لروسيا وإيران بفتح الباب لكل من هبَّ ودبَّ، وفتحها أمام جميع الأيدلوجيات والمشارب.
إعادة تعويم الأسد هي جزء من الثورة المضادة للربيع العربي، وربما هي من أهم حلقاتها التي تفوق تعويم عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر، فدول الرئاسة الأبدية هي التي تدعم من تحت الطاولة، ومن فوقها، بقاء الأسد في السلطة لجعل سورية والشعب السوري المسكين عبرة لكل من يعتبر من أبناء شعوبها ممن يفكر في إقامة دولة العدل والمساواة وتداول السلطة والمساءلة وحقوق الإنسان، مدعومين أيضا من الروس والصينيين والإيرانيين، أصحاب الإيديولوجيات والديكتاتوريات على اختلاف مناهلها ومشاربها.
العبرة المراد إيصالها من الحكام إلى الشعوب والربيع العربي وكل إنسان في هذا العالم: "إياكم والخروج على الحكام، إياكم والمطالبة بحقوقكم، إياكم وإلا فسترحلون، ويبقى الديكتاتور.
F668E0A7-22D1-480D-AE75-B70CF12C567F
F668E0A7-22D1-480D-AE75-B70CF12C567F
علي الحمّادي (سورية)
علي الحمّادي (سورية)