الإرهاب الفكري

الإرهاب الفكري

18 يوليو 2017
+ الخط -
يمثل الإرهاب الفكري أحد تجليات التعصب الفكري، حيث يمكن اعتباره أقصى درجات الدوغمائية الفكرية، نظراً لارتباطه بدلالات الإقصاء، الرفض والعنف بما هو تجسيد لماهيته. وضمن هذا السياق، هذا النوع من الإرهاب قائم بالأساس على الحضور المجحف لمفاهيم الانفعالية، الإقصائية والتهميش للآخر المختلف، وهذا من خلال عدم تقبّل مفهوم تباين الآراء.
ونظرا لاعتباره أقصى درجات التعصب، فإنّ الإرهاب الفكري لا يقتصر على مجرّد رفض مختلف الأفكار والتوجهات والآراء التي تتعارض معه، وإنما يتواصل إلى حدود استعمال العنف أداة لفرض تعصبه، الأمر الذي يجعل منه مجالا مناسبا لنفي الحوار خصوصاً، والفعل التواصلي عموماً.
وعليه، يتجلى لنا الإرهاب الفكري أداة تدميرية للصرح الاجتماعي، من خلال التأسيس لقطيعة اجتماعية، من شأنها أن تهدّد استقرار المجتمع وديمومته.
وتكمن خطورة هذه الظاهرة الاجتماعية لحظة ارتباطها بمجالات حيوية عديدة، ولعلّ من أهمها السياسية والدينية، إذ من شأن الاعتبارات الأخيرة أن تؤسس لاستفحال ظاهرة الإرهاب الفكري. فسياسياً، يتمظهر الإرهاب الفكري من خلال الدفاع الشرس والعنيف عن الإيديولوجيات والأهداف الحزبية، رافضاً بذلك كل منتقد، نافياً كل مختلف، معتقداً بإطلاقية ونموذجية آرائه مع إجبارية الإيمان والخضوع لها، الأمر الذي يؤدي إلى نفي الحريات المقنّنة دستورياً كحرية التعبير عن الآراء السياسية، حرية الانتماء للأحزاب السياسية. ونظراً لارتباطه بمعطيات العنف، فإنّ الإرهاب الفكري يمثل كذلك تهديداً صريحاً للحرمة الجسدية المقنّنة والمحمية من قبل مختلف الأنظمة القانونية.
وستتعمق هذه الظاهرة الاجتماعية المدمرة، من خلال امتزاجها بما هو ديني، قدسي، إذ إنّ كل ذات متدينة تقرّ بعلوية وتفاضلية مقدّسها على بقية الديانات، الأمر الذي يجعل من خطابها مبنياً بالأساس على دلالات التطرف الديني، رافضة بذلك معطى الحوار، معتمدة العنف كوسيلة للإقناع. فالغاية من الحوار لا تبادل الأفكار في كنف الإثراء المعرفي، وإنما الغاية منه التسليم والإقرار بنموذجية مقدّس الذات الدوغمائية. ولعل الصراعات الدينية والطائفية الدامية، تعدّ خير دليل لتجسيد مفهوم الإرهاب الفكري. وضمن هذا الإقرار، يؤدي الحضور المجحف لهذه الظاهرة الاجتماعية إلى نفي جملة من الحريات الفردية كحرية المعتقد، حرية الضمير وحرية ممارسة الشعائر الدينية في كنف التسامح والسلم الإجتماعي.
ولكن الحديث عن ظاهرة الإرهاب الفكري، وحضورها المكثّف في المجتمعات العربية، يقتضي التطرّق للأسباب التي أدّت لاستفحالها والحول دون الحدّ منها، ما يطرح عدّة أسئلة: إلى أي مدى يمكن لكائن مفكر بطبعه أن يتعايش مع دلالات التعصب الفكري؟ ألا يعدّ غياب التفكير وإعمال حجة العقل سبباً رئيساً أدى لاستفحال ظاهرة الإرهاب الفكري؟ أليس من الضروري الـتأسيس لمقومات فكر موضوعي، منطقي وعقلاني للحد من تمظهرات التعصب؟ ألم يحن الوقت بعد للتخلى عن عادة العزوف عن القراءة، التفكير والكتابة؟ ألم تكتشف المجتمعات العربية مدى تأثير الإرهاب الفكري على كينونتها واستقرارها؟ ألا يشكل تهديداً صريحاً لصرحها الاجتماعي؟
وعليه، فإنّ الحد من ظاهرة الإرهاب الفكري تتطلّب بالأساس حضور وعي يؤمن بالتفكير الموضوعي، بالحوار الخصب، بالإختلاف، بالاحترام المتبادل ومدى ضرورة الفعل التواصلي.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)