هل حقاً يجب أن نستعيد الأندلس؟

هل حقاً يجب أن نستعيد الأندلس؟

15 يوليو 2017

الأندلس في سنة 910 م (ويكيبيديا)

+ الخط -
"اللهم امنن علينا بإعادة فتح الأندلس"، "والله لنعيدنها ولنفتحن روما وليرين أهل الصليب ما يفعل بهم". كانت هذه نماذج من تعليقاتٍ تلقيتها على فيديو، قمت ببثه من داخل مسجد قرطبة الأسبوع الماضي.
يحتاج هذا الشعور الجارف تحليلاً، فنلفكّر: هل يجب أن نستعيدها، لأن هنالك آثاراً إسلامية عظيمة؟
لكن، بالقياس نفسه مثلاً، ترك الرومان آثاراً عظيمة في بلادنا، يكفي أن نشاهد مدينة تدمر في سورية، أو مدينة الإسكندرية في مصر، والإيطاليون المعاصرون يفخرون بها. لكن بالتأكيد هذا لا يمنحهم حق "استعادة" سورية ومصر.
هل يجب أن نستعيدها لأنها أرض أجدادنا؟ لكن القياس فاسدٌ لسببين، أولاً أنها، تاريخياً قبل وصول المسلمين بقرون طويلة، كانت أرض أجدادهم هم، أرض قبائل القوط الغربيين، بل لم يحدث، في أي لحظةٍ، أن تمكن المسلمون من الاستيلاء على كامل إسبانيا والبرتغال المعاصرتين، وبلا أي انقطاعٍ تاريخي، استمرت الحروب بين الجانبين طوال الحكم الإسلامي.
وثانياً، لأن الواقع اليوم أنها أرض إسبانية منذ أجيال طويلة، وإذا كان لكل من مرّ على أرضٍ في فترة تاريخية ما حق أزلي فيها، فلماذا نغضب من اليهود الذين يريدون إعادة مملكة إسرائيل باحتلال أرض الفلسطينيين، وقتلهم وطردهم؟
في الواقع، لا يفكر هؤلاء المتحمسون برؤى سياسية، بل فقط برؤى مثالية، أول صفاتها أنها مفارقة للتاريخ تماماً. لذلك، الآن وهنا، يجب أن نثأر للاضطهاد الذي حدث لمسلمي الأندلس منذ قرون، سننتقم من أحفادهم على أفعال الأجداد.
ولذلك أيضاً، لا يقدمون تحليلا تاريخيا حقيقيا مفيداً لأسباب سقوط الأندلس، بعيداً عن القصص الوعظية للشاب الذي كان يبكي، لأنه فاته حضور حفل غناء، أو عن عدد المصلين في صلاة الفجر.
ثاني صفاتها مفارقتها أي مرجعية غير ذاتها، فحقنا في الأندلس لا يستند للمنطق التاريخي أو القانوني، بل فقط لشعور "السيادة" الإسلامي على العالم، يوما ما سنعود إلى قوتنا فيعود "جهاد الطلب". نحارب العالم كله، ليدخل في الإسلام أو يعطي الجزية "عن يدٍ وهم صاغرون"، وسنحقق البشارة النبوية بفتح روما. ربما نمارس السبي ضد نسائهم الشقراوات أيضاً.
ثالث صفاتها مفارقتها الكاملة حسابات الواقع، تجاهل للفجوة الهائلة بكل المجالات بين بلادهم وبلادنا، وأنه لو حدثت هذه المواجهة العسكرية الشاملة التي يتمناها، لن نكون الطرف الفائز، نحن من نشتري سلاحنا وغذاءنا منهم. ربما يكون كاتب التعليق لا يأمن على نفسه في بيته من الاعتقال، لكنه يطمع في غزو العالم، يعيش في بلد يعاني الاستبداد والفقر وكل الآلام، لكنه يتشدق بالحديث عن انتظار العالم السعادة الحقيقية بحكمنا له.
رابع صفاتها أولوية الأيديولوجيا على البشر. داخل مسجد قرطبة سمعت عربياً يحكي لأقرانه، بحزنٍ بالغ، عن الزعيمين معمر القذافي وصدام حسين رحمهما الله، وأنهما الوحيدان اللذان صليا هنا. لا يهم ما فعله هذان السفاحان في بلادهما، يكفي أنهما منحانا هذا النصر الرمزي التافه. وعلى جانبٍ آخر، بالتأكيد لا يرى الأخ الراغب بالاستعادة من سيُقتلون في هذه الحرب التي يتمناها من الطرفين، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار بكل بساطة.
لا توجد مشكلة تواجه إسبانيا المعاصرة بسبب المتطلعين إلى استعادة الأندلس، لكن توجد مشكلة تواجه مجتمعاتنا نحن، بسبب هذه الطريقة في التفكير، مفارقة التاريخ والمرجعيات وموازنات الواقع، وذلك كله على خلفية تقديم الحجر على البشر.
لا أنسى أبداً أنه في أثناء أحداث قصر الاتحادية الأليمة في القاهرة حدثت مواجهة بين مجموعة من أنصار محمد مرسي ومعارضيه في شارع جانبي، فحاول بعضهم من الطرفين التهدئة، وكادوا ينجحون، لولا أن صرخ أحدهم فجأة "العلمانيين مش هيضحكوا علينا تاني، مش هننسى أنهم ضيعوا الأندلس مننا!". فجأةً، يتبخر الزمان والمكان والمنطق والبشر.
وبعيداً عن ذلك كله، يظهر جانب مختلف من صورة "استعادة الأندلس": قابلت عدداً كبيراً من المغاربة الذين يعملون في كل المجالات، عدد هائل منهم هاجروا إلى مدن وقرى الأندلس، وآلاف منهم اليوم يحملون الجنسية الإسبانية بكامل حقوق المواطنة والانتخاب. للتاريخ ألاعيبه أيضاً.