إعلام الأخ الأكبر حالة عربية

إعلام الأخ الأكبر حالة عربية

25 يونيو 2017
+ الخط -
في أدب المدينة الفاسدة، أو ما يعرف بالديستوبيا، أو عالم الواقع المرير الذي يصف مجتمعا خياليا على أنه مجتمع مخيف، ويحكمه الشر المطلق، ويسلّط الضوء على القضايا الموجودة في العالم الواقعي، كانت رواية 1984 من الروايات المعبرة عن هذا الأدب، وهي التي تصوّر دولةً شمولية، تسيطر فيها الحكومة على شعبها، وهي من تأليف البريطاني جورج أورويل، حيث يصف كيف يقع الجمهور في فخ الرقابة الحكومية، ويتم التلاعب به من خلال نظام سياسي يلاحق الفردية والتفكير الحر بوصفها جرائم فكرية، ويجسد الأخ الكبير طغيان النظام، ويسعى إلى لا شيء سوى للحزب نفسه، بدلا من مصلحة الشعب، ويعزّز سلطته، كما عرضها الفلم المأخوذ من الرواية نفسها بشاشات تلفزيونية كبيرة، يخاطب فيها الأخ الأكبر الجماهير التي تظهر في حالة من التغييب المطلق، نتيجة وقوعها تحت تأثير الدعاية الصلبة التي يستخدمها الحزب، من خلال وزارة الحقيقة.
بالربط بين ما يريده الكاتب من تلك الرواية وواقعنا العربي، يبدو أنّ أدب المدينة الفاسدة ينطبق على هذا الواقع، فمنذ عقود والأخ الأكبر هو الحاكم العربي الذي جعل من الدول العربية دولاً بوليسية، يجرّم فيها كلّ من يعمل في الصحافة الحرّة أو في الأدب الواعي، محوّلا قنوات الإعلام الرسمي إلى وسائل تدعم سلطة الأخ الأكبر.
يقول مهندس الدعاية الألمانية لمصلحة النازية، جوزيف غوبلز: "اكذب، اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس". هذا شعار رائد اليوم في المؤسسات الإعلامية العربية على طول المحور العربي، ابتداءً من نظام الأسد في سورية، وانتهاءً بإعلام عبد الفتاح السيسي في مصر، فنحن هنا إزاء ماركة مسجلة في العالم، لصناعة التزييف ونشر الأكاذيب. لكن، لم تظهر هذه الأزمة جليةً في دول الربيع العربي فقط، بل أيضا مع الأزمة الخليجية، برز الإعلام الخليجي مماثلا لها بالرداءة والشعبوية المقيتة لتعزيز الاصطفاف السياسي على حساب وعي الجماهير الكلي، مقابلا ذلك بتدليسٍ للحقائق، وتمييع للصراعات السياسية في نقل فتاوى مجانية وخطب رثة تحاكي غرائز القارئ أو المستمع، لا عقله وأفكاره، وكأن الاعتراف بأحقية كل طرفٍ باستخدام القوى الناعمة لتعزيز موقفه السياسي، لا يتمثل إلا بدرجةٍ من الانحطاط الإعلامي، يعبّر عنها قول غوبلز، إذ قال "أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي". وبالتالي، تشابه الإعلام العربي بتأطير اللاوعي الممنهج الذي تريده السلطة، كما في رواية 1984 لخدمة الأخ الأكبر الذي يخاف مع أعضاء حزبه من وعي الجمهور، وهذا ما تمارسه الأنظمة العربية الشمولية بحيازة إعلام تافه وساذج، يبث مسلسلاتٍ أشبه بغرابيب سود، أو دعاياتٍ تزيف الحقيقة والمشهد في عقول المشاهدين.
من الطبيعي القول إنّه لا يوجد إعلام محايد، ولا يمكن تطبيقه، بل حتى في مؤسساتٍ إعلامية غربية عريقة توجد هذه الظاهرة. لكن ما يجب السعي إليه هو إعلام موضوعي، ترتفع فيه الواقعية والمهنية، بدلا من الشعبوية والسطحية التي تساهم في تغييب وعي الجمهور، وتقدّم له خطابا رثا يجعل مجتمعاتنا تعيش حالةً من التنويم المتعمد بقلب الحقائق في مقابل خدمة السلطة، كما يفعل الإعلام الرسمي العربي الذي أدار ملفات الربيع العربي بشيطنةٍ مقززةٍ، بدلا من أن يعالج قضية الثورة كإعلام مسؤول وحر يساند شعبه في التقدم والتطور، إذ راحت الأنظمة العربية تحارب كل المنصات الإعلامية والنخب الثقافية التي تساند هذا الربيع العربي، وتحجب مواقعها وصحافتها لهذا الغرض، وتعزّز روايتها المشروخة، وهمُّها الأول خطاب الأخ الأكبر والملك الأرحم والأمير الأشجع والقائد الخالد. وعلينا فقط كجماهير أن ندين لأسرته أو حزبه أو سيادته بالولاء وأن نبيع وعينا لصالحه مقابل أن تبقى خدماته الجلية علينا.
إذن، لا تختلف تلك الأنظمة الملكية أو الجمهورية عن بعضها بالشمولية، ولا يمكن أن نحظى بوعي أكبر من دون التخلّص من سيطرة تلك الأنظمة على مساحة الإعلام الحر الذي هو اليوم مطلبٌ مهم من مطالب الربيع العربي الذي تعثر بسبب تلك الأدوات الرخيصة التي تعمل ضده، ولا يمكن إغفال أنّ أهم أدوات النهضة وجود مساحة واسعة من حرية التعبير والرأي ومؤسسات إعلامية وفكرية، تترك للقارئ أو المستمع قدرته على التوجه بملء إرادته بمعزل عما يريده الحاكم اليوم الذي يلاحق حتى مواقع "السوشيال ميديا" لنصل إلى حالة عربية، سِمتها إعلام الأخ الأكبر، وأنّها ظاهرةٌ عربية بامتياز.
5BBE38A7-78D4-41BB-9C2C-C76CC6E5AE74
5BBE38A7-78D4-41BB-9C2C-C76CC6E5AE74
نذير حنافي العلي (سورية)
نذير حنافي العلي (سورية)