شذرات في ذكرى النكسة

شذرات في ذكرى النكسة

24 مايو 2017
+ الخط -
أولا، لم تكن حرب يونيو/ حزيران 1967 منفصلةً عما سبقها من الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال الإسرائيلية، بل شكلت إشارةً قويّةً إلى مزيدٍ من تطرّف المشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين (راجع مقال "من يحكم دولة الاحتلال الآن؟"، "العربي الجديد"، 15/3/2017). كما أن النظرة الصهيونية العامة حيال الأعداد الإضافية من الفلسطينيين الذين وقعوا تحت وطأة احتلال سائر مناطق فلسطين التاريخية، كانت منسولةً من أفكار مؤسسي الحركة إزاء سكان فلسطين الأصلانيين، والتي حاولت أن تُدخل في وعيهم أن ما سيجنونه من "منافع الاستعمار" سيعوّض عما لحق بهم، وبوطنهم، من خراب ودمار. وبموجب ما كتب ديفيد ريمنيك، رئيس تحرير أسبوعية "نيويوركر" الأميركية، في مناسبة الذكرى السنوية الأربعين لتلك الحرب (في مقالته"اليوم السابع: لماذا تستمر حرب الأيام الستة حتى الآن؟"، 28/5/2007)، لم تكن القيادة الإسرائيلية ترى نفسها أقل من "دولةٍ حميدة صالحة"، بل كانت على قناعة تامة بأن السكان العرب المقهورين سوف ينظرون بعين التقدير إلى حاكمهم الجديد. وفي هذا الشأن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه دايان، للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، هذه الكلمات التي يقشعر لها البدن: "الحالة بيننا تشبه علاقةً معقدةً بين بدوي وصبية اغتصبها عنوة. لكن، حين يولد أطفالهما سيرون في الرجل أباهم وفي المرأة أمهم. ولن يعني لهم الفعل الأصلي أي شيء. أنتم الفلسطينيين كشعب لا تريدوننا اليوم، لكننا سوف نغيّر رأيكم بفرض وجودنا عليكم" (تطرّقت طوقان إلى لقائها مع دايان في كتابها "الرحلة الأصعب"). 

ثانيا، يُعدّ كتاب الصحافي والباحث غيرشوم غورنبرغ "إمبراطورية الغفلة" (صدر عام 2006 عن منشورات "تايم بوكس" الأميركية) من أكثر الكتب التي تناولت ما بعد الحرب. وهو يصف فيه كيف كانت حكومات حزب "العمل" (اليسارية!) التي ترأسها ليفي أشكول وغولدا مائير وإسحاق رابين، خلال العقد الذي تلا الحرب، تغض الطرف عن المستوطنات المتكاثرة، أو تشجع بصراحة على بنائها. وبذا، ساعدت هذه الحكومات خلفاءها اليمينيين مناحيم بيغن وأريئيل شارون وبنيامين نتنياهو في شرعنة أيديولوجيا الاستيطان. ويؤكد غورنبرغ أنه على الرغم من أن التصوّر التمهيدي للمستوطنات الأولى في مناطق 1967 كان بأنها "ثكنات عسكرية مؤقتة"، في سبيل تجنب انتهاك معاهدة جنيف الرابعة، "تمثّل غرض الاستيطان، منذ ذلك اليوم في يوليو/ تموز 1967، حين قفز أول مستوطن إسرائيلي من سيارة الجيب في هضبة الجولان ـ في إيجاد وقائع تقرّر الوضع النهائي على الأرض، وتسهم في هيكلة الواقع السياسي، قبل بدء أي مفاوضات".
ثالثا، ماذا تبقّى من ذلك "اليسار"؟ رأى المؤرخ الإسرائيلي، يغئال عيلام، أخيرًا أن معظم المقاربات التي تقدم تفسيراتٍ لمسألة صعود اليمين في دولة الاحتلال ومواصلته الحكم على مدى عشرات الأعوام لا تمسّ الجذور الحقيقية لهذه المسألة، فليس استعلاء النخب ولا تجاهل الثقافة الشرقية هما اللذين أديا الى أفول ما يُسمى "اليسار"، ولا حتى التمييز والغبن الاجتماعيين. وحان الوقت للاعتراف بحقيقة أن "هذا الشعب كان يمينيًا في أساسه. ومنذ البداية، كان يتبنى فكرًا يقول إنه شعب مختار، وحيد وفريد، لا تنطبق عليه القواعد الإنسانية العامة. وفقط في الأزمنة الصعبة عندما كان أقليةً تمسك بالفكر اليساري الكوني في جوهره، كي ينال الدعم في العالم المتنور ويضمن بقاءه". وبرأيه، الدعوات التي توجه اليوم إلى "معسكر اليسار" لبذل كل جهدٍ من أجل استعادة الحكم، مثيرة للشفقة. فما المعنى من تغيير القيادة الحالية، إذا كانت مناسبة لهذا الشعب في هذا الزمن بتطابق تام؟ وما المعنى إذا كان "اليسار" لهذا الغرض مطالبًا بأن يتخفى في هيئة اليمين، وبتبني سياسة حكومة اليمين القائمة؟ فاليمين يفعل هذا بطريق مباشر وطبيعي، ولن ينجح "اليسار" أبدًا في أن يمثل تلك السياسة بصدقيةٍ أفضل من اليمين الحاكم.