فتاة المصنع

فتاة المصنع

03 مايو 2017

مشهد من فيلم فتاة المصنع

+ الخط -
من المألوف أن تدفعها الحاجة للخروج إلى العمل، ولكنه ليس أي عمل، لأنه لا يضمن لها سوى أساسيات قليلة من متطلبات الحياة، ويسبغ عليها بعض الترف المجاني مع صويحباتها اللواتي لسن أفضل حالاً منها، لكن الآخرين يبخسونهن حقهن في الحياة الكريمة والحب، وينتقصون من كرامتهن، وينظرون إليهن على أنهن سهلات ورخيصات وعديمات الشرف، وفي متناول يد راغبي المتعة. 

إنهن النساء والفتيات العاملات، وحيث لم تجد إحداهن مفرّاً من أن تعمل خادمةً في بيت سيدة ثرية لديها عدة أطفال، وتغيب في عملها المهم والحسّاس ساعاتٍ طويلة عن بيتها، وقد تحملت أن تبتعد هي نفسها عن أطفالها الصغار، وتركهم عند أمها العجوز التي لا تستطيع أن تقدّم لهم شيئاً، فقد عادت، في اليوم الأول من العمل، لتجد كفّ أحدهم قد احترقت، وهو يدنيها من النار التي أشعلتها الجدّة بحطبٍ قليل، في محاولة لكي تطهو لهم ما يسد رمقهم، وقد عادت محملةً ببعض الفاكهة، وما تبقى من مائدة طعام الغداء الذي أعدته للسيدة وعائلتها، حيث أصرّت أن تحمله معها، وهي في طريقها للمغادرة. وبعد أن قطعت مشواراً طويلاً سيراً على قدميها، وهي تبني صروحاً من الأحلام، وتعتقد أن السعادة سوف تعرف بابها، من باب المثل: "من جاور السعيد يسعد"، فالسيدة التي التحقت بالعمل لديها، والتي أخبرتها أن مسمّاها الوظيفي سيكون "مدبرة منزل" قد خصّصت لها راتباً جيداً، لكنها صدمتها في اليوم التالي، وهي تلفت نظرها إلى أمرٍ مهم، وإن اعتبرته السيدة التي يفوح منها عطر فاخر أمراً ثانوياً، يجب أن تتقبله في صمت، إلى جانب ما ستقدّمه لها من مال وعطايا، وهذا الأمر هو أن زوجها "بصباص"، أي يهوى ملاحقة النساء، ولا يترك امرأةً تفلت منه، حتى لو كانت "خادمةً"، لا تفوح من جسدها سوى رائحة الصابون الرخيص المختلط برائحة عرقها.
وقد تناول فيلم "فتاة المصنع"، للمخرج الراحل محمد خان، قضية الفتيات العاملات في المصانع، من خلال فتاةٍ أحبت شاباً من الطبقة المتوسطة، وقد اتهمت بشرفها بسبب أكاذيب خيالها التي حاكتها مع الملابس فوق ماكينة الخياطة بأن "الباشمهندس" يحبها، فحاول أهلها تزويجها منه، ليستروا شرفهم، ولكنه تزوج بأخرى من طبقته. وظلت هي موصومةً بالعار، إلى درجة أن قصّت جدّتها شعرها الطويل الأسود اللامع، دلالةً على أنها فتاة منحلة، وكل ذنبها أنها أحبت، وكأن الحب ليس مسموحاً به لمثيلاتها، فهو مقرونٌ بتفريطها بعذريتها.
أما فيلم "وردي"، للنجم الهندي أميتاب باتشان، فقد تناول ثلاث فتيات عاملات، يتعرّضن للتحرّش من شباب مستهترين أثرياء. وحين تدافع إحداهن عن شرفها فتصيب أحدهم برأسه إصابةً بالغة، تقف عائلة الشاب الثري، لكي تبرئ ابنها من تهمة التحرّش، وتتهم الفتاة النازحة من بلدتها الفقيرة بأنها عاهرة، وبأنها اختلفت معه على المبلغ المتفق عليه، أو أنها حاولت سرقته، والحصول على ماله.
في السينما والواقع، يصمّم المجتمع الظالم على تصوير الفتاة أو المرأة العاملة والباحثة عن لقمة عيشٍ مغمسةٍ بالدموع رخيصةً، ومستباحة، وأنها لا تمتلك حق الدفاع عن جسدها، وعليها أن تحتمل وتسكت من أجل لقمة عيشها، من دون حماية حقوقها عاملة من أي قانون، أو في تحايل سافر على قانونٍ لا يسري إلا على الورق.
قررت هيام، فتاة المصنع، أن ترقص في حفل زفاف الشاب الذي أحبته، والذي كانت ترى أنه ليس من العيب أن تبوح الفتاة بحبها لشابّ أحبته، حيث قالت عبارة رائعة: "هوا عيب إن الواحدة تقول لواحد عجبها إنه واحشها؟"، ولكنها كانت قويةً وهي تتلوّى كطائر ذبيح على وقع الموسيقى، بشعرها المقصوص، إلى درجة أن تتمنى زميلاتها أن يمتلكن القوة التي امتلكتها، لكي ترقص في عرس الشخص الوحيد الذي أحبته فتاة المصنع، ولكي تؤكد أن الحياة امرأة، والمرأة ثورة.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.