هؤلاء "القوميون" العرب

هؤلاء "القوميون" العرب

20 مايو 2017

"قوميون" عرب في ضيافة الأسد في دمشق (إنترنت)

+ الخط -
طيّبٌ أن تجتمع نخبٌ من الأمة، وتتداول في الحال العربي، وبروح وحدوية وقومية، تؤكّد ثوابت الوجدان العامة، بشأن فلسطين مثلا. وكان في الوسع أن يرمي واحدُنا المؤتمر الذي عقد، الأسبوع الماضي، في بيروت، وضم 250 مشاركا وضيفا وإعلاميا، بحزمةٍ من عبارات التقدير، ما دام مؤتمراً قومي المشاغل، وكان مأمولا أن تتضاعف عبارات الاحترام والتثنية على القائمين عليه، وقد انتظم في موازاته منتدىً عربي دولي من أجل العدالة لفلسطين، وبمشاركة واسعة من ناشطين ورجال قانون أجانب، مناصرين للحق الفلسطيني. ولكنك، ستتراجع عمّا كنت تود أن تمحض به المنتدين في النشاطيْن من تقدير وتثنية، ظننت أنهم يستحقونهما، بعد مطالعتك البيان الذي صدر عن المؤتمر القومي العربي (الدورة 28)، وبعد أن توّج مشاركون في المؤتمر والمنتدى همّتهم القومية ودأبهم من أجل فلسطين، بالسفر إلى دمشق، والظفر هناك بجلسةٍ استمرت ساعتين ونصف الساعة، مع بشار الأسد. 

تجعلك أرطال الإنشاء إيّاه في بيان المؤتمر القومي تغبط من صاغوه على مواظبتهم على لغته المنسوجة منذ مؤتمراتٍ أقدم وأعتق، غير أن الموضوع ليس هذا، وليس من اللائق أن يُرمى قوميون عرب باستهجان مبدئيّتهم التي يعتنقونها، وإنما الموضوع هو هذه المقادير من التغافل عن الفداحة الجسيمة والأهوال الثقيلة التي تخرّب الحال في غير بلد عربي، وعن تعيين المسؤوليات المؤكّدة في هذا كله على أنظمة مستبدّة حاكمة، وقوى متسلطة، مرتهنة لحُماتها وداعميها. وهكذا يتم التعمية على النكبة الحادثة في سورية، بتأكيد "المؤتمر على وحدة سورية وعروبتها وخيارها الاستراتيجي، ودورها في مقاومة العدوان الصهيوني، والتصدّي لمشاريعه وأدواته، ما جعل سورية أرضا وشعبا وجيشا وقيادة مستهدفةً من قبل دول العدوان الكوني عليها". وسيغشاك حزنٌ كثير، وأنت تقرأ كلاما مثل هذا يجهر به مثقفون عرب، وينطوي على إهانة الشعب السوري الصابر، ويقفز عن معاناة هذا الشعب الحاصلة جرّاء صنوف التهجير والتمويت التي لا يتوقف عن ابتكارها النظام في دمشق، وإرهابيون نجموا من سياساته.
يؤكّد البيان على وحدة سورية والعراق واليمن ويرفض التدخل الأجنبي، الأميركي منه فحسب، وكأن ألوان الاستباحة الإيرانية المكشوفة في البلدان الثلاثة من النوع الذي يحسُن بالسوريين والعراقيين واليمنيين أن يشكروا رب البريّة على ما يرفلون فيه من نعيمٍ يتحقق لهم منها. ولكن، طالما أن قوميي مؤتمر بيروت هذا يخصّصون بندا للبحرين، فإنك ستعرف أن هذه من ضرائب تمويل اجتماعهم ودعمه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهم يدعون إلى "حلّ سياسيٍّ في البحرين، يقوم على أساس المواطنة والعدالة والمساواة، ويرفض كل أشكال التمييز والقمع وإسقاط الجنسية والمحاكمات الصورية والتدخل الأجنبي، ويؤكّد على عروبة البحرين، ويدعو إلى حوار وطني متوازن بين مكوّناته"، وهذه متطلباتٌ يستحقها أهل البحرين وحدهم، ولا يجوز أن يُصرَف شيءٌ منها لأي سوريٍّ في بلده أو في المعتقلات التي يحتجزُ فيها أو المخيمات التي هرب إليها.
يبدو أن من قلة العقل أن ينفق واحدُنا بعض وقته في البحث عمّا هو قومي حقا، وعروبيّ حقا، وإنساني حقا، في بيان السادة المحترمين، والذين يحتاجون لأن يعرفوا أن الحرية والكرامة ومناهضة الاستبداد شروطٌ أولى لإنجاز عروبةٍ حقة. وهم، إلى هذا الأمر، مطالَبون بالتوقف عن استخدام فلسطين في التزيين لهذا النظام العربي القاتل أو ذاك، فليس من حقّهم، وقد تقاطر بعضهم إلى دمشق، أن يُحاضروا هناك عن فلسطين، وهم الذين هزّوا رؤوسهم جذلين، في غضون سماعهم من بشار الأسد حديثه لهم عن بقاء فلسطين في وجدان السوريين، فالسوريون أجلّ من أن ينوب عنهم المذكور في تأكيد بديهيّة مطرح فلسطين البهيّ في أفئدتهم وجوانحهم.
ويحتاج الواحد منا إلى أرطالٍ من البلاهة، حتى تحتمل أعصابه مطالعة ما سمع هؤلاء من الأسد، وما سمعه منهم، وما خرجوا به من اللقاء، وهم على ثقةٍ أكبر "بانتصار سورية على ما يُحاك ضدها"، وكذا ما سمعوه من أمينٍ قُطريٍّ مسؤولٍ في حزب البعث قوله إن "سورية جاهزةٌ لأي طرحٍ يصبّ في مصلحة القومية العربية والوطن العربي". هل ثمّة ابتذالٌ للفكرة القومية العربية النبيلة أكثر من هذه الخرافات التي سمعها هؤلاء في دمشق؟

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.