المغرب.. من الشعبوية إلى التدبير

المغرب.. من الشعبوية إلى التدبير

18 مايو 2017
+ الخط -
كما هو حال جلّ الدول غير المستقلة سياسياً واقتصادياً، يصعب تفكيك شفرات الوضعية السياسية في المغرب، من دون أن نربطها بالتحوّلات السياسية الإقليمية، لذلك فكلّ قراءة للتطوّرات التي تعرفها الساحة السياسية المغربية تبقى قاصرة إن هي لم تموقع هذه التطورات ضمن سياقها الإقليمي.
نقول ذلك، لأنّه لولا التأثيرات الإقليمية خصوصا خلال السنوات السبع الأخيرة لما أصبح الوضع السياسي في المغرب كما هو عليه الآن، وهنا نقصد بالضبط مخرجات الربيع العربي الذي أثّر بطريقة مباشرة على الحركية السياسية في المغرب لينتج لنا بذلك حركة 20 فبراير التي أنتجت لنا نظاماً بقناع جديد وبخطاب وممارسات جديدة، لكن الأهم أنّها أنتجت لنا مفاهيم وقيادات سياسية جديدة، تمكنت نسبياً من مصالحة المواطن المغربي مع السياسة بإحداثها القطيعة مع الممارسات السياسية الكلاسيكية والتقليدية .
نريد القول إنّ السياق الإقليمي هو ما أدى إلى بروز ما يعرف بالزعماء الشعبويين، وأبرزهم طبعاً، عبد الاله بن كيران، شيخ الشعبويين في المغرب، الذي كان له تأثير كبير وحاسم على التحولات التي حدثت خلال 2011 وما تلاها، أولاً عبر خطاباته القوية التي ساهمت في قبر حركة 20 فبراير، وثانياً عبر دوره الجوهري في تسليط الضوء على حزبه وتمكينه بذلك من تصدّر الانتخابات البرلمانية 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ، ثم ترؤس الحكومة خمس سنوات. هذا الوجود القوي لبن كيران، بصفته الحزبية وأيضاً بصفته الحكومية، أجبر النظام المغربي على صناعة قيادات سياسية شعبوية قادرة على منافسة بن كيران، وهو ما تمّ بالفعل عبر انتخابحميد شباط أميناً عاماً لحزب الاستقلال وإدريس لشكر كاتبا أولا لحزب الاتحاد الاشتراكي، وإلياس العماري أميناً عاماً لحزب الأصالة والمعاصرة.
ما كان لهذه القيادات من دور بالساحة السياسية إلا منافسة ومزاحمة السيد بن كيران خطابياً بالأساس، لذلك فإعفاء هذا الأخير من رئاسة الحكومة واحتمال تركه للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية سيقودنا نحو تحوّل شامل في طبيعة الزعماء الحزبيين والسياسيين الذين ستنتجهم هذه المرحلة أو في الحقيقة، الذين سيصنعهم النظام، خصوصا وأنّ هذا النظام بدأ يرسل إشارات واضحة حول نيته القطع مع الشعبوية والانتقال نحو مرحلة جديدة يسميها محللون مرحلة "التدبير الفعال"، أي أن الدولة ما عادت في حاجة لزعماء يسوّقون الخطاب، بقدر ما هي في حاجة لزعماء يجيدون التدبير .
وبالحديث عن التدبير، نجد أنفسنا مجبرين على ربطه بقضية المغرب الأولى، قضية الصحراء التي أثقلت كاهل الدولة، ما اضطر الأخيرة إلى الانتقال نحو السرعة النهائية من أجل حسم هذا الملف نهائياً. أقصد أنّ هذه المرحلة هي مرحلة الحسم في قضية الصحراء، الأمر الذي يعني أنّ الدولة تحتاج زعماء سياسيين يفهمون هذا الملف بعمق وقادرين على تدبيره بطريقة معقلنة، ومن ثم التوّجه به نحو منطقة الأمان، وهو ما لا يتوفر في الزعماء الشعبويين الذين يقودون الأحزاب حالياً.
طبعاً تبقى هذه واحدة من قراءات كثيرة، ونحن لا نجزم بما قلناه، لكن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ستعقد الأحزاب الخمسة الكبرى مؤتمراتها الوطنية، هذه المؤتمرات وحدها الكفيلة بتأكيد صحة كلامنا من عدمه.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي