جدلية المطر والأوبئة

جدلية المطر والأوبئة

13 مايو 2017
+ الخط -
سمعت كثيرين ممن كانوا يتهمونها بما لم تتسبّب به، فهي لا تدري أنّ نزولها في هذا التوقيت، سيسبب للشعب كارثة بيئية لا يُحمدُ عقباها، ولم تتوّقع أن تصير في يومٍ ما ضيفًا ثقيلًا على هذه التربة المهترئة.
بالتأكيد، أقصد حبات المطر الذي تساقطت علينا لتحيي أرواحًا أنهكها الجدب، ولتسقي أغصانًا تعبت من الوقوف من دون مقابل، وكأنها موظفٌ حكومي لم يستلم مرتبه منذ شهور.
تساقطت قطرات المطر على مدينتنا، وهي لا تدري في أي مكانٍ ستسقط، فربما ظنّت أنّها ستسقط على غابات أستراليا أو مزارع البرازيل، ولكن خاب ظنها، فقد سقطت على مدينتنا التي باتت غارقةً بين أكوام القمامة ومخلّفات الحياة اليومية، فاختلطت هذه القطرات بقاذورات الشوارع، وأصبحت بعدها سيلًا من الخباثة تتقاذفه الحفر والممرات المائية النتنة، وتتغذى عليه الميكروبات والحشرات والجراثيم القاتلة، فتُنبِتُ لنا أوبئةً بيئية وأمراض خطيرة، منها الكوليرا، وهو الوباء الذي انتهى في العالم منذُ عشرات السنين، وبدأ بالتوغل في وطننا، في هذا العصر الحديث الذي لا مكان فيه للفيروسات، إلا في وطننا ومدينتنا، مستغلًا الوضع الصحي المتدهور وانشغال الجميع بالحرب.
لم تكن قطرات المطر هي السبب، فقد تساقطت من السحاب، حينما كان الإنسان في مدينتنا منشغلًا برمي القمامة على الرصيف المقابل لبيته، من دون شعور بالمسؤولية، وبينما كانت الجهات المختصة أيضًا منشغلةً بفض اعتصامٍ لعمال النظافة المطالبين بمستحقاتهم المالية، إذ أضربوا عن العمل من أجلها.
نعم.. قطرات المطر ليست السبب في تفشّي الكوليرا، فكيف سنحاسبها، ونحن لا نستطيع محاسبةً من هو عنصر أساسي في تفشي الفقر والجوع بين أبناء مدينتنا ووطننا ككل؟
قطرات المطر باستطاعتها أن تنبت لك زهورًا وثمارًا، وأن تحدث لك كارثةً بيئيةً، وقادرةً على صنع بحيرةٍ عذبة، أو مستنقعٍ سام، فقط تحتاج أن نعد لها المكان الذي ستسقط عليه، وأن نرسم لها الدرب الذي نريد، لنا أو علينا.
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
مطهر الخضمي (اليمن)
مطهر الخضمي (اليمن)