رقص وموسيقى في فلسطين

رقص وموسيقى في فلسطين

23 ابريل 2017
+ الخط -
يحارب الأسرى الفلسطينيون المحتل الإسرائيلي في سجونه، بمعركة الصمود والثبات ومقاومة العسف، وبإشهار عدالة قضية فلسطين. ويتضامن معهم شعبهم، منتصراً لهم، في تظاهرات ومهرجاناتٍ ومسيراتٍ لا تتوقف، تأكيداً على بديهية الحق الفلسطيني في محاربة الاحتلال، بكل أشكال المقاومة. وفي هذه الغضون، تشهد رام الله وشقيقاتٌ لها من مدن فلسطين الواحدة، في القدس وحيفا وأريحا و.. (والجولان!) عروض مهرجان رام الله للرقص المعاصر، من المقرّر أن تكون 27 عرضاً تقدّمها 21 فرقة، تسع منها فلسطينية وعشر أجنبية. وقد بدأ قبيْل اختتام مهرجان عالمي للموسيقى الروحية والتقليدية، طاف في نابلس وجنين والقدس وغيرها، شاركت فيه فرق من فلسطين والهند وإيطاليا وتونس وأميركا وغيرها.
لم يدفع مدير مهرجان رام الله للرقص، خالد عليان، حرجاً عن القائمين على هذه التظاهرة ورعاتها، وهو يخاطب، في مؤتمر صحافي، الأسرى والأسيرات بأنهم الأحرار ودرب الأمل. ولا أظنّه كان يستبق تشنيعاً محتملاً على المهرجان، لتزامنه مع معركة الأسرى الراهنة، وإنما يعود الأمر إلى أن لكل مقام مقال، أما ما عدا ذلك، ففلسطين محتلة، وشعبها يُغالب في وطنه عسف المحتل، وبذلك هو في "مؤقت طويل"، بتعبير محمود درويش. ويعرف هذا الشعب أن من تعبيرات مواجهته هذا الحال، ومقاومته إسرائيل، حمايتَه وجدانه العام، وصيانة ذائقته وروحه، وإعلاء قيم الجمال والعدل والحرية والإنسانية. ولا يزيد أحدٌ في الطنبور وتراً إذا ما قال، في هذا الأمر، إن الثقافة والفنون من أسلحة هذا الشعب في مزاولته هذه المقاومة، وفي ثباته عليها. ولمّا كان شعار مهرجان رام الله للرقص المعاصر هو "تستمرّ قصتنا" فذلك يعني أن الفلسطيني، عندما يؤاخي إرادة الحياة لديه، وحقه في أن تكون بهيجةً، وكريمةً، مع إرادة مناهضة العدو المحتل، فإنه يصنع سردّيته الإنسانية، المثقلة بالإبداع، وبصناعة الفرح. وكان في محله تماماً قول مدير المهرجان "مع استمرار قصّتنا، تستمر رقصتُنا، وقصيدتُنا، ومسرحيتُنا، وروايتُنا، وهويتُنا، كفعل مقاوم للاحتلال".
حكاية الشعب هناك هي الأدعى للإنصات والاكتراث، وليس خراريف الانقسام الجغرافي والسياسي البغيض الذي يأخذ الراهن الفلسطيني إلى قيعانٍ بلا نهاية. حكاية هذا الشعب الذي منه الأسرى والفدائيون والمجاهدون، ومنه العلماء والمفكرون والأدباء، ومنه راقصون وراقصاتٌ وموسيقيون شاركوا، مساء الخميس الماضي، في مسرحٍ في رام الله، فرقةً إيرلندية، في أداء عرض افتتاح المهرجان، وكان عن اللجوء والاغتراب، والعبور إلى حيث يمكن الأمان. وكان بهيجاً فيه من الإيرلنديين أن يؤدّوا الدبكة الفلسطينية، ومن شبان وشابات فلسطينيين من فرقة سرية رام الله الأولى أداءهم على إيقاع قِرَبٍ إيرلندية.
ثمّة المشترك الإنساني الواسع، والحاضر في الثقافات التي تنفتح على غيرها، ولا يمكن للفلسطيني أن ينتصر على نقيضِه، القاتل وسارق الأرض، من دون أن يتسلح بمزاوجة الإنساني العريض فيه مع الإنساني العام في كل الأرض، من دون أن يوازي منَعته في المقاومة المسلحة مع إعلاء قيمة الحياة حقاً فردانياً، وحقاً للمجموع الإنساني، غير المتغلّب وغير الظالم. يحضر هذا الوعي في الأنشطة الفنية والثقافية التي تُلاحظ وفرتها في فلسطين، ومنها، أخيراً، مهرجان جمعية الكمنجي العالمي للموسيقى الروحية والتقليدية، والذي انطلق من نابلس القديمة، وتوزّعت مناشطه عشرة أيام في غير مدينةٍ فلسطينية، وقد قال القائمون عليه إن من أهدافه منح فرصة جديدة للحياة في فلسطين. ولأن التفاصيل شحيحةٌ عن هذه التظاهرة الأولى من نوعها هناك، فإن واحدنا لا يجد غير عين الرضى عن هذا الجهد الذي يروم تعريف الفلسطينيين، وهم تحت الاحتلال، بمنتوجات العالم وثقافاته الموسيقية، وباحتكاك المواهب والكفاءات الموسيقية منهم بتجارب متنوعة في العالم.
الاتحاد الأوروبي ووزارة الثقافة الفلسطينية ومؤسسة عبد المحسن القطان وجامعة بير زيت وجمعيات وشركات، تدعم وترعى بعض هذه الأنشطة والتظاهرات التي تُحسب جهداً يساهم، بالضرورة، في تعريف الفنانين الزائرين، والفرق المستضافة في فلسطين، بالأرض والبلاد وسكانها وأهلها، بثقافتهم وفنونهم. ويساعد في تواصل الموهوبين وأصحاب الكفاءات الفنية من الشباب الفلسطيني مع العالم المتنوع والمتعدّد.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.