رئيس موريتانيا يأنف من الشعراء

رئيس موريتانيا يأنف من الشعراء

02 ابريل 2017

ولد عبد العزيز يلقي كلمته في القمة العربية (29/3/2017/الأناضول)

+ الخط -
يأنف رئيس موريتانيا، محمد ولد عبد العزيز، من الشعر. ويرى وفرة الشعراء في بلاده مشكلة. والغريب في حالته أنه يظن أن للشعر علوماً يدرسها الطلاب في الجامعات، فيصيروا شعراء، ويجد في كثرة الخرّيجين منهم، وكذا في العلوم الإنسانية، واحدةً من مشكلات موريتانيا. هذا ما عبّر عنه في مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، في نواكشوط، لمّا سمع سؤالا من صحافيةٍ، استصعب مفرداته، فما كان منه إلا أن رمى الشعراء بسخريته، وبدا جادّاً، في فعلته هذه، التي كان في الوسع حسبانها انفعالا، وكلاماً مسترسلاً جاء على لسانه من دون أن يقصد منطوقه، غير أن الواقعة ليست الأولى التي يخصّ فيها ولد عبد العزيز أهل الشعر من بين مواطنيه بقدرٍ من المسؤولية عن الأزمات الحادثة في بلاده، ففي يونيو/ حزيران 2012، قال فخامته لصحيفة فرنسية شيئاً شبيهاً، وهو أن موريتانيا ينقصُها المهندسون وأصحاب التخصّصات الفنية والحرفية، فيما آلاف الشباب متخصّصون في القانون والآداب والشعر.
والظاهر أن الرئيس لا يعرف أن الشعر ليس علماً، ولا شهادات جامعية فيه، بل وليس اختصاصاً. لا يدري أن الشعر موهبة، يصقلها صاحبها بالدربة والثقافة، ويتطلب قبل ذلك ملكة شخصية، فقد يكون المرء أستاذاً في الفيزياء وشاعراً في الوقت نفسه. لا يجد ولد عبد العزيز، فيما يبدو، نفسَه في حرجٍ مما يقول، وهو يخلط أشياء ببعضها، من دون أدنى معرفة. ولمّا كانت موريتانيا تسمى بلد المليون شاعر فهذا لا يعني أن هؤلاء (عدد المليون مجازي) منقطعون لقرض الشعر، فلا يقومون بشيء غير بسط المجازات والتشبيهات في قصائد ينظمونها، ولا يُنفقون الوقت في غير التحليق مع شياطين الشعر في عوالم الخيال واللغة الموحية. ليس هذا صحيحاً، فالموريتانيون، بشعرائهم وعمومهم، يكدّون في سائر شؤون الحياة، ومنهم من برز في الصناعة والهندسة والعمران والطب، وغيرها من علوم ومهن وحرف، من دون تأثيرٍ سلبي للشعر وصنيعه على مشاغلهم.
حدث، في غضون الواقعة الأولى، أن محمد ولد عبد العزيز عقّب على الحملة الواسعة ضد أقواله غير المسؤولة تلك بأن ما نُقل عنه تم تحريفه، ثم تعمّد استقبال أعضاء من اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين ممن لم يهاجموه، غير أنه، في هذه المرّة، لم يبادر إلى إيضاح شيء، ولا إلى الاعتذار المستحقّ لأهل الاختصاص في الآداب والعلوم الإنسانية، وقد سخر منهم، وعرّض بهم، كما ذوي الاختصاص بعلوم الشعر (؟!). ومن المفارقات أن رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، محمود أحظانا، أصدر، غقب ذلك، بياناً أثنى فيه على الدعم والمؤازرة من رئيس الجمهورية للاتحاد (!) في مسلكٍ مستهجنٍ، جاء معاكساً للغضب الواسع الذي أبداه كتاب وشعراء موريتانيون مما أقدم عليه رئيس البلاد، وهو يهزأ بشريحةٍ واسعةٍ من أبناء شعبه.
كانت أخطاء الرئيس اللغوية والنحوية، في قراءته كلمته أمام مؤتمر القمة العربية في البحر الميت في الأردن، الأربعاء الماضي، ظاهرة ومستنكرة. وهو إذا كان، في كلامه ذاك قبيل سفره إلى البحر الميت في الأردن، قد أراد التأشير إلى طغيان التخصصات الأدبية والإنسانية بين حملة الشهادات من مواطنيه، ما يحدّ من فرص التشغيل، ويرفع مستويات البطالة، على ما قال في معرض إيضاحه أقواله في صيف 2012، فذلك ليس من مسؤولية الشعراء، ولا دارسي اللغة العربية والتاريخ وفنون المسرح. وكان في مقدورِ فخامته أَنْ يعلن، مثلا، عن ورشةٍ كبرى في بلادِه من أَجل أَن ينجذب الشباب الموريتاني إِلى الحرف والصناعة والتقنية، وإِلى التحصيل العلمي العالي ليتأَهلوا لدراسةِ الطب والهندسة، من دون التعريض الهازئ بشغف الموريتانيين بالشعر. وكان في وسعِه أَنْ يقول، مثلا، إِنَّ مجتمعاتٍ محبةً للشعر تحتاجُ إِلى أَنْ تقوى، أيضا، بإِنتاج شبابِها ومتعلميها في الجامعاتِ والمعاهدِ في مجالاتِ المعرفةِ العلميةِ والتقنية. لم تُسعفه النباهة في القول، وهو العسكري الذي ينظر إلى شعراء بلدِه حيطاناً واطية، كان طيّباً من كثيرين منهم أنهم لم يُمرّروا إِساءَته البائسة.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.