أن تكون كاتباً إنساناً

أن تكون كاتباً إنساناً

27 مارس 2017
+ الخط -
الكتابة الصحفية أو كتابة المقالات تتطلّب التحلّي بالأمانة والمسؤولية، خصوصاً في أوقات الأزمات والصراعات، نظراً لأنّ أيّ كذب من الصحفي أو الكاتب في هذه الحالة لا يفقد مهنيته فحسب، بل إنسانيته أيضاً.
الكتابة من منطلق إنساني تعني أن تنحاز للإنسانية قيمة أخلاقية، وليس للإنسان فرداً، لأنّ الإنسان قد ينحرف عن إنسانيته في اتجاهٍ معاكس للفطرة للسوية، ويصبح مجرّداً من كلّ القيم الإنسانية، فيقتل ويظلم وينكّل، شأنه في ذلك شأن الحيوانات المفترسة، بل أشدّ من ذلك، ويستوي معه في ذلك من يبرّر له أفعاله، عن طريق الكتابة وتضليل الجماهير.
قبل أيام، كنت أنوي الكتابة عن فظائع ميليشيات خليفة حفتر في قنفودة، وتنفيذها إعداماتٍ ميدانية، بحق مناوئيها، فضلاً عن تنكيلها بجثثهم، وقيامها بما هو أشد من ذلك، وهو نبش قبور المناوئين لها، وإخراج جثثهم، والتمثيل بها وصلبها والتقاط صور السيلفي معها، في مشهدٍ عكس الانحطاط الأخلاقي لمن تطلق عليهم بعض الفضائيات "الجيش الوطني الليبي" الذين فاقوا معمر القذافي بشاعة ودناءة في ممارساتهم.
وما أثار استغرابي عنوان عريض، نشرته إحدى الفضائيات عبر موقعها الإلكتروني، يزعم أنّ قوات حفتر عثرت على مقابر جماعية في بنغازي، على الرغم من اعتراف قوات حفتر بنبشها القبور.
لم أبدأ الكتابة عن كرامة حفتر التي سقطت في قبور قنفودة، حتى توّالت الأنباء القادمة من بلدة المنصورة في ريف الرقة عن استشهاد أكثر من 200 مدني في مجزرة للتحالف الدولي، إثر قصف مدرسة تقطن فيها 50عائلة، نزحت من مناطق سورية، هرباً من الموت، لتعيش الموت دفعة واحدة، علماً أنّ عدد الضحايا النهائي لم يعرف بعد، مثل هذه المجازر وغيرها، لم تلق اهتماماً إنسانياً من وسائل الإعلام، ربما لأنّ الدم السوري قدره أن يكون غالياً عندما يسفكه "داعش"، ورخيصاً جداً عندما يراق على أيدي الروس والأميركان والإيرانيين، ومن قبلهم نظام الأسد، أتساءل: ماذا لو كان داعش هو من نفذ المجزرة، أو المعارضة السورية؟
ليس بعيدا عن الرقة، زفّ الناشطون خبراً عن استشهاد نحو 300 مدني في مدينة الموصل العراقية، جرّاء قصف التحالف الدولي، ليرتفع العدد إلى 500 شهيد بعد العثور على مزيد من الجثث. هي مجزرة بشعة، ضحاياها عوائل عراقية، لم تجد أماكن آمنة تأوي إليها سوى منازلها، فكانت لهم قبراً وميلاداً، وحتى طريقة تناول الحادثة، بالنسبة لبعض وسائل الإعلام، فقد ألقت باللائمة على "داعش"، بينما أعلن التحالف الدولي بدء ما سمّاه تحقيقا في الحادثة، ونحن نتساءل أيضاً: ماذا سيضيف التحقيق للحادثة؟ هل سيعيد أرواح الضحايا؟ أو سينصفهم؟ الجواب ربما: كلا، التحقيق سيغسل أيديهم الملطخة، لتبدو أكثر نظافة.
أن تكون كاتباً إنساناً، يعني أن تكتب عن مشاعر ملايين المهجرين السوريين، وهم يتابعون تقدّم الثوار في ريف حماه، بعد أن أشعلوا معركةً في قلب دمشق، وأن تكتب عن مشاعر السيدة ريما خلف، وهي تكتب استقالتها رفضاً لطلب قدُّم إليها لسحب تقريرٍ يتهم الكيان الصهيوني بالعنصرية، على الرغم من أنّ القرار لا يعني شيئاً بالنسبة للصهاينة، لكنه الشعور بالإنحياز للحق الفلسطيني.
حجم المأساة الإنسانية في مدننا العربية يتطلّب من الكاتب أنّ ينتصر للإنسان، بكل ما أوتي من حبر وشجاعة، ويقظة وضمير، فإن كان ضعيفاً فالسكوت، وإن كان غير مقبولاً، إلا أنّه أفضل بألف مرة، من أن يتحوّل الكاتب آلة دعائية، يستهلك فيها طاقته لقتل الضحية مرتين، مقابل الانتصار لظالم.
19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
منذر فؤاد (اليمن)
منذر فؤاد (اليمن)
The website encountered an unexpected error. Please try again later.