جيفارا.. أصلاً إخوان

جيفارا.. أصلاً إخوان

17 مارس 2017

مقاوم فلسطيني في غزة وبندقية وجيفارا (2/9/2017/Getty)

+ الخط -

ليست تلك اللحية الكثيفة التي ميزت وجهه هي ما يمكن الاستناد إليه في اتهام إرنستو أرنستيكو غيفارا ديلاسرنا، الشهير باسم تشي جيفارا بالتأخون والتأسلم، ذلك أنه لو كان على قيد الحياة بيننا، في هذا الزمن الترامبي المجنون، لكانت كل أفعاله تهماً وجرائم تستوجب وضعه على لائحة الإرهاب.

كان ذلك المناضل الشيوعي العتيد مع الثورات، أينما هبّت، ومع العدل وحقوق الإنسان، حيثما انتهكت.. بكل المعاني، كان ضد كل ما يمثله دونالد ترامب، وصبيانه من الطغاة الصغار، كعبد الفتاح السيسي وبشار الأسد وخليفة حفتر، ومن ثم لو كان بيننا الآن لوجد نفسه ممنوعاً من السفر، موضوعاً على قوائم الإرهاب، مطلوباً لـ"اللاعدالة"، كما يراها معاتيه اليمين المتطرف في كل مكان بالعالم.

غيفارا، الطبيب، الذي ولد أرجنتينيا وعاش كوبياً وتم إعدامه بوليفياً، بعد أن ألقت المخابرات المركزية الأميركية القبض عليه، بعد عودته من الكونغو الإفريقية، عام 1965، حيث ذهب يناضل بين صفوف ثوارها، مغادراً الأراضي الكوبية، بعدما أسهم في نجاح ثورتها، وشعر  بأنه أنجز ما يرضي ضميره الإنساني، وعليه أن ينجز مهامّ أخرى، خارج أميركا اللاتينية.. غيفارا هو، بمعايير زماننا المقلوب، إرهابي، وبالتالي كان من الممكن أن يطالب دونالد ترامب بتسليمه ومحاكمته، مثله مثل أحلام التميمي، المناضلة الفلسطينية التي طالب ترامب بتسليمها ومحاكمتها، بتهمة مقاومة الاستعمار الذي خطف وطنها وقتل شعبها، وصادر الحياة فيه لصالح المحتلين الغزاة.

لو عاد جيفارا لوجد نفسه مصنفاً ضمن قوائم الإخوان المسلمين، مدرجاً على لائحة الكيانات الإرهابية، مثله مثل محمد أبو تريكة، والاشتراكيين الثوريين و6 أبريل وثورة يناير، وكل من لا يلتزم بنصوص الطغيان والاستبداد، ويبدي ألماً على الدماء المهدرة والبلدان النازفة، بفعل العصابات الإجرامية التي تحكم، وفقاً للكتالوج اليميني المتطرّف.

كان من الممكن أن يصبح جيفارا على رأس قائمة إرهابٍ تجمعه بأحلام التميمي، الفلسطينية المحرّرة من الأسر حديثاً، وراشيل كوري، الأميركية المقتولة تحت جنازير جرافة إسرائيلية في فلسطين المحتلة عام 2003، وهي تتصدّى بجسدها للجرّافات التي جاءت تهدم بيوت أهل البلاد الحقيقيين، ظناً منها أن الجندي الذي يقودها سيتوقف، حين تقف أمامه بجسدها، عزلاء، إلا من ضمير إنساني سليم، وإيمان بحق الشعوب في الحياة والأرض والوطن.

قبل استشهاد راشيل كوري على أرض فلسطين، كتبت لوالدتها تقول"كل ما أردته هو أن أكتب لأمي، لأقول لها إني أشهد هذا التطهير العرقي المزمن وخائفة جداً، وأراجع معتقداتي الأساسية عن الطبيعة الإنسانية الخيّرة. هذا يجب أن يتوقف. أرى أنها فكرة جيدة أن نترك كل شيء ونكرّس حياتنا لجعل هذا يتوقف. أشعر بالرعب وعدم التصديق".

وتابعت "بخيبة الأمل أن يكون هذا هو أساس حقيقة عالمنا، وأننا نشارك فيه بالفعل. ليس هذا أبداً ما أتيت من أجله إلى هذا العالم. ليس هذا أبداً ما أراده الناس، عندما أتوا إلى هذا العالم. هذا ليس العالم الذي أردت، أنتِ وأبي، أن آتي إليه، عندما قررتما أن تنجباني، هذا ليس ما عنيتِه، عندما نظرت إلى بحيرة كابيتول، وقلت: هذا هو العالم الكبير وأنا آتية إليه".

راشيل كوري بمعايير ترامب والسيسي ونتنياهو إرهابية حمساوية تستحق المحاكمة، وربما الإعدام، في عالم صار يعتبر مقاومة الاحتلال جريمة، والثورة على الاستبداد جريمة أشد، ويكافئ القتلة ويحتفي بالطغاة، ويدعمهم بالسلاح والمال وشحنات الوقود.

مثلها مثل تشي غيفارا الذي غادر بلاده أول مرة عام 1954، ليقاوم ضد الانقلاب العسكري الذي نفذته المخابرات الأميركية في غواتيمالا، هو أيضاً إخواني إرهابي "إثاري"، أو على الأقل"متعاطف" تبعاً لمقياس ترامب الذي يرى كل من يناهض انقلاباً، ويتصدّى لثورة مضادة، يقودها جنرالات مطيعون، من الإرهابيين الإسلاميين الذين يزعجون هذا العالم الغارق في عنصريته الساحقة لكل قيم المساواة والعدل.

 


وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا