البحث عن دولة فلسطينية

البحث عن دولة فلسطينية

25 فبراير 2017
+ الخط -
تعدّدت، أخيرا، الآراءُ والتصريحاتُ والأفكارُ حولَ مستقبلِ الدولة الفلسطينية وشكلِها وحدودِها، وهي المزمع ترتيبُ بيتها، فقد نجحت تلك الأفكارُ أن تجدَ لها آذاناً صاغيةً في المجتمعِ الفلسطيني، بين مفكريه ومثقفيه وسياسييه، خصوصا بعد لقاءِ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في البيتِ الأبيض، وما تبع ذلك من حفاوةِ الاستقبال الأميركي منقطع النظير لنظيره الإسرائيلي.

مع صعودِ نجم ترامب، ولمعانه في سماءِ السياسةِ العالمية، وتصريحاتِه بخصوصِ القضيةِ الفلسطينيةِ وحلِّ الدولتين والاستيطان ونقلِ السفارةِ الأميركيةِ من تل أبيب إلى القدس، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل ودول الجوار، زاد حجمُ التكهناتِ بمستقبلِ القضيةِ الفلسطينية في ضوءِ ضبابيةِ الموقفِ الأميركي من القضيةِ الفلسطينية.
لا يستطيع مراقبو السياساتِ الخارجيةِ ومحللوها التكهنَ الآن بمستقبلِ تلك التصريحاتِ، ولم يجدوا مغزى من تلك التصريحاتِ إلا الصبر والانتظار والتحضير لردات الفعلِ على القرارات الأميركية، بخصوصِ القضيةِ المعقدة. قُبيلَ انطلاقِ نتنياهو إلى البيتِ الأبيض، سارع رئيسُ وفدِ المفاوضات الفلسطينية صائب عريقات إلى محاولةِ قطعِ الطريقِ على نتنياهو في مؤتمرٍ صَحفي في أريحا تحدّث فيه عن العقباتِ التي وضعها نتنياهو خلال فترةِ رئاستِهِ أمام تحقيقِ السلامِ في الشرقِ الأوسط والقَبولِ بمبدأِ حلِّ الدولتين، وإن نتنياهو رجلٌ يعشقُ الاستيطانَ ولا ينامُ مطمئناً إلا وقد وضع حجرَ أساسٍ لمستوطنةٍ جديدةٍ على أرضٍ فلسطينيةٍ في الضفةِ الغربيةِ أو القدس .
ما قاله عريقات حول الدولةِ الديمقراطيةِ الموحدةِ يندرجُ في إطارِ الضعفِ السياسي للسلطةِ الفلسطينيةِ في مواجهةِ المشاريعِ الإسرائيلية التي قتلت جميعَ المبادراتِ العربية والأوروبية، للوصولِ إلى حلٍ سلمي شاملٍ للقضايا الفلسطينيةِ والإسرائيلية كافةً، تلخصت أقوالُ عريقات في أنّه "من يدمرُ خيارَ الدولتين يجبُ أن يتعاملَ مع خيارِ الدولةِ الديمقراطية الواحدة التي يتساوى فيها الجميع من كلِّ الأديان"، طرح سياسي جديد لمسؤولي السلطة الفلسطينية في محاولةٍ يائسةٍ لإنقاذِ وجهِ السلطةِ الفلسطينية من فشلٍ ذريع.
على الهامش، يجري طرحُ أفكارٍ تتعلّقُ بإقامةِ كيانٍ في "غزة وجزء من سيناء المصرية"، كمسودة مشروع لإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، تعيشُ جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وبذلك تكونُ الضفةُ الغربيةُ تحت سقفِ الضمِ العنصري للكيانِ الإسرائيلي، وبذلك تصبحُ القدسُ شرقها وغربها عاصمةً لإسرائيل، وتنتهي لعبةُ الدولةِ الفلسطينية عن خريطةِ السياسةِ العالميةِ، خصوصا في ظلِّ مؤشراتِ قدومِ ترامب إلى رئاسة الولاياتِ المتحدة، وإن حدث ذلك هل يستطيعُ أيُّ سياسي عربي أو فلسطيني أو حزبٍ سياسي فلسطيني الوقوفَ في وجهِ الإدارةِ الأميركيةِ والإرادةِ الأوروبيةِ بحلِّ القضيةِ الفلسطينيةِ على الطريقةِ التي تناسبُهم وتوفرُ الأمنَ لإسرائيل؟
أطلق نتنياهو رصاصةَ الرحمةِ على مشروعِ السلام "اتفاقية أوسلو" في الشرقِ الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين في سبتمبر/ أيلول عام 1996 إبان هبةِ النفق، عندما افتتح أكبرَ نفق تحت المسجدِ الأقصى، وانطلقت شرارةُ المواجهاتِ ما بين الفلسطينيين والقواتِ الإسرائيلية التي تحرسُ المستوطناتِ في الضفةِ الغربيةِ وقطاعِ غزة، وسقط بعدها عشراتُ الشهداءِ من الشبانِ الفلسطينيين. كانت تسيرُ القواتُ الإسرائيليةُ والفلسطينيةُ جنباً إلى جنب على الطرقاتِ في الصباحِ وهو ما يعرفُ "بالقوات المشتركة"، ومع اندلاعِ الأحداثِ أطلقت عناصرُ الأمنِ في القواتِ المشتركة النارَ على بعضٍ، وكان ذلك بمثابةِ المواجهةِ الأولى ما بين قواتِ السلطةِ الفلسطينيةِ والجيشِ الإسرائيلي.
بعد عشرين عاماً، عاد نتنياهو إلى القضاءِ على حلمِ الفلسطينيين بدولةٍ فلسطينيةٍ بمواصلةِ سياسةِ الاستيطان ورفضِ القراراتِ الدولية وتعميقِ الفجوةِ ورفضِ الحلولِ السلمية والوساطاتِ الدوليةِ وضَرَبَ بكلِّ الجهودِ الفلسطينيةِ الرامية للتوصلِ لاتفاقِ سلامٍ بعرضِ الحائط، وما تصريح صائب عريقات حولَ الدولةِ الديمقراطيةِ الواحدة إلا الرايةُ البيضاء وقَبول الخسارة أمام المتغيراتِ الدوليةِ التي صَبَّت في مصلحةِ اسرائيل.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)