طبولٌ فوق السَدّ

طبولٌ فوق السَدّ

05 ديسمبر 2017

أريان منوشكين مخرجة مسرحية "طبول فوق السد"

+ الخط -
عام 1999، أخرجت المخرجة المسرحية الفرنسية، أريان منوشكين، مع فرقتها "مسرح الشمس"، عملا للكاتبة هيلين سيكسو بعنوان "طبول فوق السدّ"، اعتمدت فيه أحد أساليب المسرح الياباني، حيث يجري تحريك دمى كبيرة بواسطة ثلاثة أشخاص يرتدون الأسود، إلا أن الدّمى، هذه المرة، كانت الممثلين الذين يحرّكهم ممثلون آخرون، ويروي عنهم حكواتيّ ترافقه الموسيقى، ويحتل هو جانب المسرح.
استلهمت المسرحية الكارثة التي سببّتها الفيضانات المأساوية في الصين في العام الذي سبق. وهي وإن اتخذت شكل مسرح دمى قديم، تجري في أحد بلدان الشرق الأقصى، منذ نحو ألف عام، أو أكثر أو أقل، وتروي الخطر الداهم لعاصفة وفيضانات داهمة ستقع عمّا قريب. المشكلة أن السدود المبنية تحسّبا لمثل هذه الكوارث لن تتمكّن من إنقاذ إلا جزء من الأراضي، لذا على الأمير أن يختار بين خلاص المدينة وهلاك القرى، أو العكس. لكنّ الأمير يحتار ويتردّد، ويتردّد ويحتار، ما يؤدي إلى هلاك قرويين كثيرين نتعرّف إليهم في بداية المسرحية. وفي النهاية، سيموت الجميع غرقى، باستثناء سيّد الدمى الذي يحفظ التقاليد، ويستطيع لذلك أن يتذكّر الأحداث ويرويها. نحن هنا أمام تلكؤ الحاكم عن اتخاذ القرار الصائب، وتمرّد الفلاحين، وأجواء قصرٍ تسيطر عليه الأكاذيب والمؤامرات والصفقات الدنيئة والجشع والأنانية والفساد والطموح المجرّم، والدسائس والنزاع على السلطة.
يذكّر بهذه المسرحية الرائعة تشابه موضوعها مع مشروع يؤرّق اليوم عددا متزايدا من اللبنانيين، ويدعى سدّ بِسْري. تتعالى الأصوات المعترضة بشأنه، محذّرةً من خطورته على البيئة وعلى حياة الناس من جهة، ومن اعتباره من أكبر الصفقات غير المجدية التي تعقدها مافيات السياسة اللبنانية في ما بينها. ومرج بِسْري الذي يجري الآن استملاك أراضيه، وقد بوشر تحويله سدّا يفترض أن يؤمن المياه لأجزاء واسعة من بيروت الكبرى التي تعاني من نقصٍ في المياه، يقع بين جزّين والشوف، أما بسْري فقرية لبنانية في قضاء جزين في محافظة الجنوب.
أما المعترضون على إنشاء السدّ فخبراء بيئة وجيولوجيون يحذّرون من فشله المحتوم، ومن خطره، والضرر الذي سيتسبب به لأهالي القرى المجاورة. فإلى جانب تأثيراته السلبية على طبيعة مرج بسْري وثرواته الأثرية والطبيعية، ونهره الذي لا تنضب مياهه، وكونه محميةً طبيعيةً لعشرات أنواع الطيور والنبات والحيوان، يتم التحذير من زلازل ممكنة، سيؤدي ثقلُ المياه إلى تحريكها، ومن خطورة الجمع بين الفيالق والسدود.
هذا وقد رفع أهالي القرى المجاورة وسكانها، وأصحاب الأراضي والعقارات ضمن المرج، عريضةً تطالب بإلغاء المشروع السدّ، محذّرة من: الخطر على السلامة العامة لمحاذاة السد فالق روم الناشط زلزالياً، وهو السبب الرئيسي لزلزال 1956 وسواه في القرنيْن الماضيين؛ عدم جدوى بناء السدود بسبب طبيعة الأرض الكارستية المتشقّقة التي لا تحفظ المياه لبنيتها الركامية هشّة للقعر؛ تلوّث مياه بحيرة السد بالمياه المبتذلة والملوّثات، مثلما حصل في بحيرة القرعون؛ خسارة الأراضي الزراعية والتربة الخصبة، أي ما يزيد عن 5.6 ملايين متر مربع تنمو فيها أشجار الصنوبر والزيتون المعمّرة، وفيها عشرات المشاريع الزراعية، حيث يبلغ مردود السهل سنوياً عشرات الملايين من الدولارات؛ .. إلخ. وتُنهي العريضة: "إنّ مصادر المياه القريبة من بيروت، ومنها المياه المتجددة سنوياً في المخازن الجوفيّة، هي مصادر بكلفة زهيدة مقارنةً بتكاليف هذا السد (800 مليون دولار هي قرض من البنك الدولي، سيسدّده اللبنانيون مستقبلا من جيوبهم)، وتُغني عن تدمير إرث ثقافي وبيئي وطبيعي، مثل مرج بسْري وسلب أراضي هذا السهل الخصيب والفريد من نوعه في لبنان".
تردّد كثيرا أن فوائد مشروع السدّ الذي يبدأ تنفيذه نهاية هذا العام ستصبّ مباشرة في جيوب النائب وليد جنبلاط، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وإنه صفقة مقايضة سدّ جنّة مع التيار الوطني الحر. أليست هذي روايةٌ تُكتب عن خرابٍ يضاف إلى خرابٍ إلى خراب؟ بلى، ولا طبول تُدقّ قبل أن تأتي العاصفة، والزلزال أصلا واقعٌ لا محالة.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"