مرة أخرى.. مصطلح غير بريء

مرة أخرى.. مصطلح غير بريء

02 نوفمبر 2017

(زهدي قادري)

+ الخط -
في سياق الحديث عما يمكن تقديمه من دعم رسمي، أو مؤسساتي، للكاتبات والمبدعات الخليجيات، ضمن تحقيق صحافي عنوانه "الكاتبة الخليجية فريسة المحاباة أو العداوة"، قلت للصحافية المتحمسة، والتي طلبت مساهمتي، إنني "لست أعول على حكايات الدعم للأدباء والأديبات. الموهبة وحدها تكفي. ذلك أن الدعم الرسمي، أياً كان مصدره، سيكون مظنة للوصاية المباشرة أو غير المباشرة".
وعلى الرغم من أن موضوع ما تسمى الكتابات النسوية وأدب المرأة قديم، وسبق إثارته كثيراً، فإن هذا لا يمنع من التفكير والكتابة فيها مجدّداً ودائماً، لأنه موضوع، على قدمه، متجدّد أيضاً بتجدّد الأفكار المجتمعية تجاه المرأة وقضاياها بشكل عام، وتجاه الإبداع الذي تنتجه المرأة، أياً كان نوعه، بصفتها الإنسانية، ثم بصفتها الجنسوية.
وعليه، أستطيع تكرار ما سبق أن قلته إن مصطلح القلم النسائي، أو الأدب النسوي، قديم جديد، وغالباً ما يتداوله كثيرون، في سبيل تهميش تجربة المرأة في الكتابة، والنظر إلى معطيات هذه التجربة بدونية، حتى وإن كان ذلك بطريق غير مباشر.
وعلى الرغم من أن أديباتٍ كثيرات يرفضن هذا المصطلح، للأسباب التي ذكرتها، ولتاريخ هذا المصطلح غير البريء، فإن هذا لا يمنع أننا نلاحظ خصائص تتميز بها القصيدة التي تكتبها المرأة، تتجاوز الفردية الإبداعية غالباً.
على صعيد آخر، لا أفترض بأي كاتب حقيقي، بغض النظر عن جنسه، أن يوفر أي فرصة متاحة للتعبير عما يجول في ذهنه من موضوعاتٍ بشكل صادق وحر وشفاف ومبدع، لكن هذا كله بالطبع يعتمد على مدى موهبة هذا الكاتب، وطرائق الكتابة لديه، وأدواته الشخصية، ليس في الكتابة وحسب، بل في إيصال هذه الكتابة إلى الآخر، سواء أكان هذا قارئاً بصفته المفردة والمستقلة، أم أنه مجتمع معين. وفي هذه الحالة، تبرز على السطح عقبات ومحاذير كثيرة يتعامل معها كل مبدع بطريقته الخاصة.
وأعتقد أن الكتابة بشكل عام بالنسبة لأي كاتب هي ضرورة للتعبير الذاتي، لكن الكاتبة العربية محكومة بكونها امرأة أولاً، وهي تحاسب على هذا الأساس أولاً، حتى على صعيد النقد الذي يقوم به نقاد مختصون، يُفترض أنهم ينقدون النص وشروطه الفنية، بعيداً عن جنس كاتبه، إلا لاقتناص الدلالة المعنوية المفترضة من خلال ذلك.
ولا بد أن يتأثر النص الإبداعي للمرأة بثقافة المجتمع الذكورية التي نشأت عليها. نحن كلنا نتيجة مباشرة لثقافة مجتمعاتنا. ولكن باختلافاتٍ تخضع لطريقة تعاطي كل منا مع هذه الثقافة، رفضاً أو قبولاً أو تجاهلاً لها أو تحايلاً عليها. وبالتالي، تختلف شخصيات كل منا، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح أشدّ في حالات الكتابة والإبداع.
سأضيف هنا مثالا على ما ذكرته عن تعامل الذكورية النقدية مع النص الإبداعي الذي تنتجه المرأة، عبر موقف شخصي أتذكّره دائما، على الرغم من مرور عدة سنوات عليه. ويتلخص في سؤال مباغت وجهه لي ناقد عربي خليجي كبير وشهير، بعد أن قرأ لي قصيدة أعجبته، كما قال لي يومها. أما السؤال فجاء استفساريا بلغة بوليسية عن هوية الرجل الذي تتحدّث عنه القصيدة، حتى أنه كاد أن يسألني عن اسمه، وربما فعل!
هل يمكن أن يحدث هذا في إطار نقدي بحت، بمعزل عن جنسوية الشاعرة والناقد، كل على حدة؟ لا أظن، وهذا ينسحب على معظم ما يمكن وصفها بالرعاية التي تطالب بها بعض المبدعات العربيات، والخليجيات خصوصا، بحجة ظروفهن الاجتماعية التي تحدّ من نشاطاتهن الثقافية، وترويج إبداعاتهن، كما يفعل زملاؤهن من الرجال.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.