تضاريس روسية

تضاريس روسية

16 أكتوبر 2017
+ الخط -
سنواتٌ طويلة على الحصار ضمن جغرافيا بسيطة جداً بقيت من ثورة الحرية والكرامة في الريف الدمشقي، لا سيما أنّ الحلول باتت شبهَ معدومة في وقتٍ عصيب تظهر به الفصائل عبر منبرها. لا يخفى على أحد ومنذ ستة أشهر تقريباً شهدت تخوم دمشق معارك عنيفة متبادلة من فيلق الرحمن ونظام الأسد، والتي حملت اسم "ياعباد الله إثبتوا"، وغيّرت من الأوراق الخارجية نوعاً ما.
لم تهدأ العاصفة بعد، إما أن تكون برياحٍ غربية أو أنه النزاع الداخلي مجدداً بعد عام ما بين الفصائل العسكرية، لتعود المنطقة إلى أسوأ أحوالها أسبوعٍا وأكثر، سقط خلالها عشرات ما بين قتيلٍ وجريح، متناسين الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تقطن أجساد الناس ومنذ زمنٍ بعيد.
في تلك الأثناء، يتربع نظام الأسد على عرشه ويخطط للانقضاض على فرائسه المنهكة من صراع النفوذ الإقليمي الذي بات واضحاً على الأرض ويُنفذ حرفياً ضمن نطاقٍ ضيق لا يحتمل المزاودة أكثر، إلى حين بدأت ساعة الصفر لدى القوات المدججة بعشرات المدرعات الثقيلة وآلاف الجنود مختلفي الجنسية والتبعية باتجاه حي جوبر الدمشقي وزملكا وعين ترما لتبدأ المحرقة الحقيقة بمشاركة سلاح الجو الروسي بعشرات الغارات التمهيدية ليبقى صوت القصف والرصاص سيد الموقف.
لغة الكلام انتهت، وخرجت أنياب الحقد بضراوة المكر والخداع ومحاولات إنهاك الفيلق من جبهاته الممتدة بما يقارب 30 كيلو متراً تقريباً على تخوم العاصمة دمشق، والتي تشكل الخطر الأكبر لنظام الأسد أمام أقوى حصونه العسكرية والسياسية في نقاطٍ استراتيجية تعد الأهم على الإطلاق.
لم يبق الطرف الآخر واقفاً مكتوف الأيدي، ومع المحاولات العديدة والمطولة، أصبح هناك أمر عكسي غير متوقع، والذي فاجأ النظام هو تدمير الآليات المجنزرة بشكل غريب حتى المتطور منها بسلاح التاو، على الرغم من الغطاء الجوي والمدفعي المكثف، فالمقصلة على أتم الاستعداد لتقضم فوهات الدبابات وتجعل من أجسادها قطعةً متناثرة.
لم ينته السجال بعد، محاولاتٌ باءت بالفشل الذريع للتقدم من حي جوبر انتقل إلى زملكا، لتكون الهدف الآخر ضمن فكي الكماشة، وعلى الوتيرة نفسها، ولكن الرد المرسل كان كسابقه، وبوتيرة أعلى قليلاً، ليفقد الأمل منها أيضاً خلال أيام. وهنا يطول الحديث لتكون الهدف الأخير نصب أعين الروس، وهي عين ترما لتقطيع أوصال المنطقة والسيطرة على أكبرِ جزءٍ ممكن من المتحلق الجنوبي، والذي يعد من أهم الطرقات والمناطق المفصلية الاستراتيجية في هذا المحور، إلا أنّ الفيلق يتصدى ويناور بشكل واسع، على الرغم من تراكم الخلافات خلفه ضمن نطاق وجوده في الغوطة على خلافات فصائلية مناطقية تتصل بعلاقات إقليمية.
وعلى إثر ذلك، استطاعت موسكو صبغ الغوطة بشكل شبه كامل أمام المجتمع الدولي بالتطرف، وبررت ذلك على خلفية وجود ما تبقى من فلول "هيئة تحرير الشام"، ووجدت ذريعة دولية حقيقية لاستهداف الغوطة بشكل متواصل، وتهيئة جو مناسب لنظام الأسد ليستمر عسكرياً من دون أي مضايقات دولية أممية، حتى في تدمير المدن وقتل مئات من المدنيين. وحتى هذه الأثناء ما تزال آلة التدمير تعمل على أكمل وجه ضمن وجود فواصل واضحة بين الفصيلين الأقوى في غوطة دمشق، فيلق الرحمن وجيش الإسلام. بهذا جاءت كل المكتسبات لصالح نظام الأسد، بسبب تغاضي النظام الدولي عن كل ما يجري داخل ريف دمشق، بالتزامن مع صمته عن إكمال النظام لتهجير ما تبقى من المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة مثل القدم وخان الشيح.
ومع هذه الأحداث والقوة والشراسة المتضاربة في المنطقة الصغيرة المتبقية، تشهد باقي المناطق تكتلات وقصاصات من الفصائل تنصهر وتندمج خوفاً من الهجوم عليها حال انتهاء المشروع المقترح ما بين روسيا وواشنطن في الآونة الأخيرة، أي أننا أصبحنا على محط أرضية هشة على شفى حفرة من الهبوط والرضوخ للقرارات المجدولة على طاولة الحوار ما بين المعارضة الخارجية والنظام الدولي.
E8114E0A-CC41-49CB-A43E-35D5A76A7307
E8114E0A-CC41-49CB-A43E-35D5A76A7307
وسيم الخطيب (سورية)
وسيم الخطيب (سورية)