تصعيد إدارة أوباما مع إسرائيل.. الدوافع والآفاق

تصعيد إدارة أوباما مع إسرائيل.. الدوافع والآفاق

01 يناير 2017

بناء مستوطنة قرب القدس مستمر بعد قرار مجلس الأمن(29/12/2016/الأناضول)

+ الخط -
قبل انتهاء ولايتها الدستورية، اختارت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن تعبّر بطريقةٍ غير مألوفة، في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، عن إحباطها المتراكم من حكومة بنيامين نتنياهو بسبب سياسات حكومته الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإفشال عملية التسوية مع الفلسطينيين. ففي الثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للحيلولة دون تمرير القرار 2334 الذي دان بناء إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعدّها غير شرعية. الأمر الذي أثار غضب إسرائيل وحلفائها في واشنطن، بمن فيهم الرئيس المنتخب، دونالد ترامب. بعد أقل من أسبوع، ألقى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خطابًا حدّد فيه خمسة "مبادئ" لمفاوضاتٍ جادة لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، في مقدمتها وقف الاستيطان. وتخشى إسرائيل، في ضوء ذلك، أن تذهب إدارة أوباما، في أيامها الأخيرة، إلى أبعد من ذلك، إلى محاولة فرض معايير أو محدّدات لصورة الحل النهائي عبر مجلس الأمن. وعلى الرغم من أنّ إدارة أوباما أكّدت عدم نيتها القيام بذلك، في خطاب كيري نفسه، فلم يبدّد ذلك القلق في إسرائيل، خصوصًا أنّ ثمّة من يرى أنّ أوباما يحاول أن يقيّد يدَي إدارة ترامب المقبلة التي أعلن رئيسها صراحةً أنّه سينحاز إلى دولة الاحتلال بالمطلق، بما في ذلك نشاطها الاستيطاني. 
فما هي دوافع هذا التحرّك المتأخر لإدارة أوباما؟ وما مدى تأثيره في سياق الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؟ وما قيمة قرار مجلس الأمن وما جاء في خطاب كيري من محدّدات مقترحة للحل، خصوصاً أنّ ترامب ونتنياهو أعلنا عدم التزام هذه المحدّدات أو التزام قرار مجلس الأمن؟


قرار مجلس الأمن 2334
أكّد قرار مجلس الأمن 2334 أنّ بناء إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية يمثّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وعقبةً رئيسةً أمام قيام "دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها دوليًا". ودعا القرار إلى وقف إسرائيل نشاطاتها الاستيطانية في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية "فورًا وبصورة كاملة". كما أكّد القرار أنّ المجتمع الدولي لا يعترف بأي تغييراتٍ على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، بما في ذلك حدود القدس، إلا ما يتوافق عليه الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، في المفاوضات. كما دعا القرار إلى اتخاذ خطواتٍ فورية لمنع جميع أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك "أعمال الإرهاب"، وضرورة تعزيز الجهد المبذول لمكافحته، بما في ذلك من خلال التنسيق الأمني، وكذلك الامتناع عن جميع الأعمال الاستفزازية والتحريضية.

محدّدات الحل
بعد تمرير القرار، اتخذت إدارة أوباما خطوةً أخرى، تمثّلت بالخطاب الذي ألقاه كيري في وزارة الخارجية يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وحدّد كيري خمسة "مبادئ"، ينبغي للمفاوضات النهائية أن تسترشد بها، وهي:
1. ضمان حدود آمنة ومعترف بها بين إسرائيل ودولة فلسطينية، تتوفر لها مقومات الحياة ومتماسكة جغرافيًا، ومستندة إلى حدود عام 1967، مع تبادلٍ متساوٍ للأراضي متفق عليه بين الطرفين.
2. تحقيق هدف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 من قيام دولتين لشعبين، واحدة يهودية والثانية عربية، مع اعتراف متبادل ومساواة في الحقوق الكاملة لجميع مواطنيهما.
3. التوصل إلى حلٍ عادل ومتفق عليه وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بمساعدة دولية، يتضمن التعويض، وخيارات وعون في إيجاد أوطان دائمة، والاعتراف بمعاناتهم، وغير ذلك من التدابير الضرورية لإيجاد حل شامل، بما يتفق مع دولتين لشعبين، من دون إحداث تغيير ديموغرافي في إسرائيل؛ أي من دون حق العودة.
4. أن تكون القدس عاصمةً معترفًا بها دوليًا لدولتين، مع ضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، بما يتفق مع الوضع الراهن المعمول به.
5. ضمان الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، بما يضمن انتهاء الاحتلال بصورة كاملة في نهاية المطاف، بحيث تكون إسرائيل قادرةً على الدفاع عن نفسها، وفلسطين قادرة على ضمان الأمن لمواطنيها في دولةٍ ذات سيادة وغير مسلحة، أي من دون جيش.
وتبنّى كيري، طوال الخطاب، لغة اليسار الصهيوني المؤيد لقيام دولة فلسطينية؛ إذ أكد ضرورة الاعتراف بإسرائيل دولةً يهوديةً، وعدّ ضم المناطق المحتلة الزاحف بواسطة الاستيطان خطرًا على يهودية الدولة، وأنّه، في حالة الضم، سوف تضطر إسرائيل إلى أن تختار بين كونها دولةً ديمقراطيةً أو يهوديةً. كما أكد أنّ موقف الولايات المتحدة ضد الاستيطان تقليدي، تبنّته جميع الإدارات السابقة.

دوافع تحرك إدارة أوباما المتأخر
يمكن إجمال أهم دوافع إدارة أوباما ومبرّراتها من هذا التحرك المتأخر، في ما يلي:
• حالة الإحباط الشديد جرّاء إفشال حكومة نتنياهو مساعي إدارة أوباما في التوصل إلى تسويةٍ دائمة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وكان أوباما وعد، خلال ولايته الرئاسية الأولى، بأن يسعى إلى تحقيق الإنجاز الذي أعيا من قبله عددًا من الرؤساء الأميركيين، ويتمثل بتحقيق سلام فلسطيني – إسرائيلي، يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، متصلة الأجزاء وقابلة للحياة،
تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيلية "يهودية" آمنة ومستقرة. كما بذل كيري جهدًا شخصيًا كبيرًا منذ تسلّمه منصبه مطلع عام 2013، لاستئناف المفاوضات بين الطرفين، غير أنّ آماله في التوصل إلى اتفاق نهائي أو على الأقل إلى "اتفاق إطار"، انتهت إلى فشل ذريع جرّاء التعنت الإسرائيلي.
• تعتقد إدارة أوباما أنّ بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية كان السبب الرئيس في انهيار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وقد نظرت إدارة أوباما، باستياء شديد وعجز فاضح، لتضاعف سكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وحدها، منذ تولي أوباما الرئاسة عام 2009، بنحو مئة ألف شخص.
• تخشى إدارة أوباما أن توشك النافذة المتاحة لتحقيق حل الدولتين على الإغلاق، فإسرائيل تتجه نحو احتلال دائم، أو حل "دولة واحدة"، بما يفقدها صفتيها "الديمقراطية" و"اليهودية"، بوجود قرابة مليونين وسبعمائة وخمسين ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية. وبحسب خطاب كيري، فإنّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والتوسع الاستيطاني فيها قد يقودان إلى حركة حقوقٍ مدنيةٍ تطالب بحق التصويت.
• يمكن النظر، أيضًا، إلى سماح الولايات المتحدة بصدور قرار مجلس الأمن 2334 على أنّه تتويج للعلاقة الفاترة، إن لم تكن المتوتّرة، بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو التي وصلت إلى حد أنّ المسؤولين الإسرائيليين ازدرَوا أوباما وكيري، وتدخَّل نتنياهو تدخّلًا فجًّا في الانتخابات الرئاسية، عام 2012، لمصلحة المرشح الجمهوري ميت رومني، ثمّ حاول إفشال الاتفاق النووي مع إيران، وألقى خطابًا، عام 2015، أمام الكونغرس بدعوة من قيادته الجمهورية، في تحدٍ صريح ومباشر لأوباما. وبناءً عليه، فإنّ هذا نوعٌ من الرد المؤجل على الإهانات الكثيرة التي وجّهها نتنياهو وعددٌ من المسؤولين الإسرائيليين لأوباما وكيري شخصيًا.
• قد تكون هذه محاولةً من إدارة أوباما لتكبيل يدَي إدارة ترامب المقبلة في السياق الفلسطيني - الإسرائيلي؛ فثمة قلقٌ يساور إدارة أوباما من أن ينقض ترامب عقودًا من المحدّدات السياسية الأميركية التي استقرّت تحت إدارات ديمقراطية وجمهورية نحو الصراع العربي - الإسرائيلي، بما في ذلك التراجع عن فكرة قيام دولة فلسطينية، وإمكانية سماحه بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما يطالب مرشحه لمنصب السفير في إسرائيل المؤيد للاستيطان، ديفيد فريدمان. ومن هنا، فإنّها تأمل في أن يسهم قرار مجلس الأمن 2334 في وضع كوابح قانونية دولية على تحرّكات ترامب المتوقعة في هذا السياق.

ردّات الفعل
تباينت ردات الفعل على موقف إدارة أوباما في مجلس الأمن وعلى خطاب كيري؛ ففي حين انتقدهما كلٌ من إسرائيل، وترامب وأعضاء في الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكذلك رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أيّدت موقف إدارة أوباما دولٌ كفرنسا وألمانيا وكندا وتركيا وبعض الدول العربية، إضافةً إلى أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس.
وجاءت ردة الفعل الإسرائيلية على ما جرى في جلسة مجلس الأمن، وعلى ما جاء في خطاب كيري، خارجةً عن حدود اللياقة والدبلوماسية؛ إذ وصف المسؤولون الإسرائيليون امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن بـ "الخطوة المشينة" وبـ "الكمين الوقح". وعدّ نتنياهو الامتناع الأميركي عن التصويت "طعنةً في الظهر". ووصل الأمر إلى حد اتهام إدارة أوباما بأنّها من تقف وراء صوغ القرار 2334، والدفع به عبر مجلس الأمن. وقد نفى البيت الأبيض هذه الاتهامات. كما ردّت إسرائيل بعنف على خطاب كيري، واتهمه نتنياهو بالتحيّز، والتعامل تعاملًا "مهووسًا" مع المستوطنات، في حين تجاهل تجاهلًا شبه كامل "جذور الصراع، وهي معارضة الفلسطينيين دولة يهودية داخل أي حدود آمنة". وأعلن نتنياهو أنّه يتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب ترامب الذي تعهّد باتباع سياسات أكثر تأييدًا لإسرائيل.
أما ترامب فلم يكتف بالتنديد بقرار مجلس الأمن وبخطاب كيري، عبر تغريدات على "تويتر"، بل مارس دورًا أساسيًا في إفشال المحاولة الأولى للتصويت على مشروع القرار الدولي، وذلك عندما ضغط على مصر التي قدّمت المشروع باسم المجموعة العربية، لسحبه من التداول. وبطلب من نتنياهو، بادر ترامب إلى الاتصال بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي
سحبت على إثره مصر مشروع القرار، بذريعة إتاحة مزيد من الوقت لإجراء مشاورات حوله، غير أنّ ماليزيا والسنغال ونيوزلندا وفنزويلا أعادت تقديمه، بطلبٍ من ممثلية فلسطين ودول عربية أخرى. وفي سلسلة تغريداتٍ، قال ترامب إنّ الأمور ستتغير بعد تولّيه الرئاسة في العشرين من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، وبأنّ عهد ازدراء إسرائيل وعدم احترامها سينتهي، وطالب إسرائيل بالبقاء قويةً حتى ذلك الحين. وردّ البيت الأبيض بالتذكير بأنّ هناك رئيسًا واحدًا للولايات المتحدة حتى العشرين من الشهر الجاري، هو باراك أوباما.

خاتمة
جاء تحرّك إدارة أوباما في تحميل إسرائيل مسؤولية فشل مفاوضات التسوية متأخرًا جدًا. كما أنّه من المشكوك فيه أن يكون له أثر حقيقي في الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها، إلا إذا اتخذت إدارته، في أيامها الأخيرة، خطوة كبيرة، من قبيل الاعتراف بدولة فلسطينية، أو القبول بتحديد مجلس الأمن معايير الحل النهائي ومحدّداته وسقفه الزمني. وقد نفى كيري هذا الاحتمال في كلمته ذاتها؛ إذ أعلن أنّ الولايات المتحدة لن تقوم بأي خطواتٍ عملية من هذا النوع، هذا إضافةً إلى أنّ القرار 2334 غير ملزم، ومع ذلك يعدّ مهمًا على مستوى القانون الدولي، إذ يعرّف مجلس الأمن "الأراضي الفلسطينية" المحتلة على أنّها كامل الأراضي التي احتلت بعد الرابع من يونيو/ حزيران 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وهو ما يسقط ذريعة إسرائيل بأنّ تكييفها القانوني يقع تحت "أراضٍ متنازع عليها". كما يعزّز هذا القرار فرص فرض عقوبات تجارية وسياسية على دولة الاحتلال، ويعطي دفعةً معنويةً وقانونيةً جديدةً لحركة المقاطعة لإسرائيل. أضف إلى ذلك أنّه يقوّي من موقف القيادة الفلسطينية، إن رغبت، في رفع دعاوى ضد الاستيطان أمام المحكمة الجنائية الدولية. وفي كل الأحوال، يجب ألّا تؤدي هذه القرارات إلى تغييب حقيقة أنّ إدارة أوباما قدّمت أكبر مساعدات عسكرية وأمنية ومالية وسياسية لإسرائيل في تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، وهي كانت قد رفعت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، المساعدات العسكرية لدولة الاحتلال من 3.1 مليارات دولار إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا، بإجمالي قدره 38 مليار دولار على مدى السنوات العشر المالية (2019-2028).