ما هو مقياس الحضارة؟

ما هو مقياس الحضارة؟

09 سبتمبر 2016
+ الخط -
يقول ابن خلدون: "كيف يعتبر هؤلاء بعض العمران حضارة؟ ألأنهم عمّروا فقط سنطلق على ما تركوه حضارة؟ كم عبداً استعبدوه ليقيم لهم هذا العمران؟ وكم قتلوا من العبيد في بناء العمران؟ إنّ مثل ذلك ليس حضارة".
الحضارة التي تقول إنّ على الإنسان أن يموت، وتسخره بلا مقابل وتستعبده لمجدها ليست حضارة، ولا تستحق إلا الطمس والكراهية، فلو نظرنا نظرة عابرة للتاريخ عند القدماء المصريين والآشوريين والإغريقيين واليونان والرومان والبربر، ستجد الحاكم عصب الدولة، يمنّ على عبيده بالأمن والطعام، فهو حاكم مطلق، ثم تطوّر الأمر لفرعون مصر الذي قال: "أنا الذي أعطي الحب وأرزقكم، وأجري لكم الأنهار"، ثم تطوّر الأمر ليطلب منهم عبادته، ويطلب منهم أن يقتطعوا طعامهم ليذبحوا له القرابين ليرضى عنهم.
إذا فكرنا بحال الرعية، ستجد من الرعية، آنذاك، من يعبد فرعون، فهل هذه حضارة أكرمت الانسان ونفعته وعلمته، أم أنّها استعبدته وأذلته وسخرته للفرعون، فأقام له الهرم؟ واستعبدته فنحت له الصنم؟ واستعبدته في روما فوضعته مصارعاً للنمور والأسد ليسعد ملك روما، وتسعد رعيته بمصارعة العبد للأسد؟
لنلق نظرةً من بعيد على الحضارة الإسلامية في قوانينها، وكيف طبّقها المسلمون، فحين كانت مصارعة الثيران في بلدان أوروبا منتشرةً، جاء الرسول برحمة للحيوان والإنسان، إذ أكدت الأحاديث على ضرورة الرأفة بالحيوان.
ما جعل الحضارة الإسلامية تستحق لقب حضارة اعتناؤها بالإنسان أولا، فلم يقل الإسلام أن تفني روحك لقاء فرعونك أو طاغوتك أو لقاء قطعة نقود بالية أو عرض من الدنيا أو يفني الشعب في حربٍ لمجرد أنّ شخصاً طلب ذلك.
أيضاً، يجب ألّا نكون قوميين حمقى، نحارب لأجل القومية التي اعتنقتها أوروبا قبل الحروب العالمية، فتسبّبت في قتل الملايين. وفي النهاية، مات الكل، لأن هتلر يريد الانتصار وموسوليني يريد الظفر، ولتهلكوا جميعاً، حاربوا بلا انكسار، وستالين يريد نجاح الاشتراكية، وذلك يريد النصر للرأسمالية، وكلّها مضامين ومفاهيم فرغت من قيمتها، فصارت جاهلية العصر الحديث، ما دامت لم تضع الإنسان نصب عينيها.
بإلقاء نظرة عابرة على الحضارة الإسلامية، نجدها فريدةً في موروثاتها، فهي التي قامت على مبادئ خير للأخيار وضرب على أيادي الأشرار. وعلى الرغم من أنّه جاء خلال تاريخها سفاحون ومجرمون، إلا أنّها على الرغم من ذلك، أعطت كلّ ذي حق حقه، فكانت تقيم الخانات للمسافرين ليستريحوا، ثمّ تطوّر الأمر، بأن تصبح الخانات لإعطاء الآنية لأي عبد تكسّرت آنيته في ذهابه لقضاء حاجة سيده، ثم تطوّر الأمر بظهور مروج محاطة بأسوار توضع فيها الحيوانات العاجزة عن الرعي، فترعي وتشرب حتى ترمي للضباع لكف أذاهم عن المسافرين، ثم يأتي بعد ذلك أحدهم، وينفي وجود حضارة إسلامية.
avata
avata
محمد السؤالي (مصر)
محمد السؤالي (مصر)