حزب الله يحمي نفسه

حزب الله يحمي نفسه

23 اغسطس 2016
+ الخط -
أخذتْ دولةُ لبنان شكلاً من الحكم الذاتي، منذ بدايات القرن الماضي، حين ساهم بطريرك الموارنة، إلياس بطرس الحويك، في عملية "استقلال لبنان" عن باقي أراضي الدولة العثمانية. ثم وقع جبل لبنان تحت انتداب الفرنسيين، بقرار من عصبة الأمم، ورسخ مهندسا الانتداب، سايكس وبيكو، الشكل الراهن للبنان.
الدولة الصغيرة متعدّدة المذاهب فاضت بفنها ومثقفيها، فانتشروا في أصقاع الأرض، لكنها تورّطت، تدريجياً، بسيطرة مليشيا أصولية ذات طبيعة سلطوية، استخدمت شعاراتٍ براقة في مقاومة العدو وتحرير فلسطين، ثم انطلقت إلى الداخل اللبناني وعاثت فيه، وعطلت الانتخابات الرئاسية، وحجبت استقلالية القرار اللبناني بشكل تام.
يعتبر شرطي السير الذي يقف على دوار القدس في مدينة صيدا، عاصمة الجنوب، آخرَ نقطة وجود للدولة اللبنانية، بعد الدوار باتجاه الجنوب (النبطية، صور، إقليم التفاح، حتى الجليل في فلسطين) تقع دولة حزب الله.
تتراجع أشكال الدولة الحديثة في الجنوب، ويتقلص الاهتمام بقضايا الفن والثقافة، فينخفض تعداد المنتسبين إلى معاهد العزف والغناء لصالح الالتحاق بكشّافة المهدي، ليتلقوا تربيةً أصوليةً على طريقة حزب الله. وتتحجم مساهمات المرأة في المجالس البلدية، ومظاهر الحياة العامة، بقراراتٍ شبه رسمية، تصدر عن هذه المجالس، وتُرفع شعارات تحفز على احتجاب المرأة، وتتعطل، أو تلغى، حفلاتٌ موسيقية هناك.
لم يسهم هذا الارتباط الشكلي بدين الله في تخفيف حالة الفساد المستشرية بين زعماء الحزب، أما الأتباعُ الصغار فيمارسون على مساحة الدولة مخالفاتٍ عديدة، بدءاً بالاتجار بالمخدّرات، وانتهاء بإحراق الدواليب وقطع الطرقات العامة، كلما كان لأحدهم مطلبٌ لم تنفذه الحكومة.
عبر مراحل طويلة من الممارسات والاغتيالات، وتلقي دفعات دعم إيرانية، تمكّن الحزب، منذ أواسط الثمانينيات، من ابتلاع ما كانت تسمى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، بشكلٍ تدريجي، حتى تفرّد مع حركة أمل بالنفوذ المليشياوي "المقاوم"، قبل أن يختزل وجود الحركة بوضع خط أحمر على مقعد رئاسة البرلمان لزعيمها نبيه بري الذي ما زالت تتبعه بضع مجموعات هزيلة، يثير شبانُها اشتباكات مع الجميع، بين وقتٍ وآخر.
لعب يساريون لبنانيون دوراً نافذاً في نفخ شخصية حسن نصر الله في الأوساط اليسارية، وبرع بعض زعمائهم، كنجاح واكيم، في تقديم خدماتٍ جليلةٍ للحزب عن طريق ضرب سمعة معارضيه، ثم تمكّن نصر الله من إخماد أهم الأصوات المخالفة للحزب.
في مناسبة مرور عشر سنوات على حرب تموز، يذكِّر حسن نصر الله بإنجازات الحزب التي سببت انهياراتٍ في جيش الكيان الصهيوني وقياداته.. ويغض الطرف عن تحليق الطائرات الإسرائيلية المستمر في سماء المنطقة، وضربها أي هدفٍ من دون اعتراضٍ من أحد. ويعدّد "السيد"، بعد عقد، خسائر إسرائيل الفادحة الاستراتيجية والمصيرية، "نحن دخلنا زمن الانتصارات، وولى زمن الهزائم"، ويتعامى عن خسائر الحزب الضخمة التي سببتها سلسلةُ اغتيالات قامت بها إسرائيل، وأودت بحياة معظم قيادات الحزب، منذ مقتل عماد مغنية عام 2008 حتى آخر قيادي قتلته إسرائيل في الآونة الأخيرة.
تشكل حالة الفقر مع جرعات التحريض المذهبي إحدى أهم طرق جذب مغموري الطائفة إلى صفوف الحزب، الممول والداعم والحامي، فيلبون نداء الزعيم للدفاع عن "إخوتهم السوريين" في حلب والقلمون "ضد الخطر التكفيري". وتعود أرتال التوابيت الملفوفة بعلم الحزب، لتصل إلى الضاحية والجنوب، وتتلقى الطقس الجنائزي الملائم الذي لا يتسنى للذين يُقتلون في حلب على أيدي أبناء الحزب وحلفائهم بأن يحظوا بمثله. يعتذر نصر الله، في خطابه أخيراً، عن ذكر أسماء قتلاه الذين لبوا واجباً عابراً للحدود، لم يكن في وسعهم أن يبرهنوا عليه بحماية لاجئ واحد من السوريين الذين يعملون في مناطق سيطرة الحزب في جنوب لبنان، ممن تعرّضوا للضرب، أو الاعتداء على أرزاقهم هناك، حيث تُرفع لافتات تقول "يمنع على الأخوة السوريين التجول بعد الثامنة مساءً إلا على مسؤوليتهم الشخصية".