وقفات مع الدبلوماسية السودانية

وقفات مع الدبلوماسية السودانية

03 يوليو 2016
+ الخط -
قبل أيام، خرج معتمد محلية الخرطوم (منصب يوازي درجة مسؤول البلدية)، بتصريحات مثيرة، قال فيها إنه التقى سفيري إثيوبيا وإريتريا لإبلاغهما بضرورة قيام مواطني الدولتين (المقيمين في الخرطوم) بالحصول على رخصة قيادة من أجل قيادة المركبات الصغيرة التي تعرف بالركشة (التوك توك كما يسميها المصريون)، كما نبّه السفيرين إلى أهمية التزام مواطنيهم بالمظهر الحضاري المحتشم.
صدم السفيران من هذا التصرف المنافي لكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، إذ كيف لمسؤول محلي أن يتجرأ ويتخاطب مع السفراء مباشرة، خصوصاً أن أحدهما عميد السلك الدبلوماسي، بخلاف علاقات الجيرة والصداقة القوية إلى درجة التداخل والإنصهار بين شعب السودان ومواطني إثيوبيا وإريتريا.
لم تكن حادثة المعتمد الأولى من نوعها في السودان، الدولة التي يفترض أن تكون دولة حضارة وقدوة لجيرانها، إذ نالت استقلالها مبكراً، وعرفت بمكانتها وتأثيرها القوي في القارة الإفريقية، إلا أن الأداء الدبلوماسي لحكومة السودان ظل يتسم بالفشل الذريع في السنوات الأخيرة، نتيجة تركيز النظام على إسناد الوظائف الحكومية المهمة لأهل الولاء، من دون مراعاة للكفاءات والمؤهلين من أبناء الوطن.
أهم الملاحظات على الدبلوماسية السودانية خلال ال27 عاماً الماضية، أن وزير الخارجية لا يتم تعيينه من الوزارة، خلافاً للتقاليد الدبلوماسية المتبعة عالمياً، ففي الحالة السودانية، يعين رئيس الجمهورية وزير الخارجية من أهل الثقة، وليس بالضرورة أن يكون قد تدرج في مناصب دبلوماسية متعدّدة، وهذه أهم المعضلات التي تواجه العمل الدبلوماسي السوداني، حيث إنه يفرض على قيادات وزارة الخارجية، بمن فيهم السفراء، وزيراً من خارج البيت، كما في حالة الوزير الحالي إبراهيم غندور.
وتعاني الدبلوماسية السودانية من تدخلات مؤسسة الرئاسة في صميم عملها، وأبرز دليل إيفاد رئيس الجمهورية مدير مكتبه طه عثمان، وتكليفه بمهام خارجية تتمثل في تسليم رسائل وخطابات رسمية إلى قادة بعض الدول، إلى جانب تعيين الرئيس عمر البشير وزير النفط السابق عوض الجاز ليكون مسؤولاً عن ملف العلاقات مع الصين، ومنحه درجة مساعد رئيس الجمهورية التي تفوق درجة وزير الخارجية.
المهم كذلك، كثرة التصريحات الإعلامية والمخاطبات للمسؤولين السودانيين بلا ضوابط ولا رقابة، وقد حكى وزير الخارجية السابق، علي كرتي، مرة، عن الحرج البالغ الذي تسببه لهم تصريحات المسؤولين، بمن فيهم البشير، منوهاً لتعبير "الحشرة" الذي وصف به البشير الحركة الشعبية لتحرير السودان إبّان احتلالها لمدينة هجليج النفطية، بعد عام من انفصال الجنوب.
يمكن القول إن الفترة الزاهية والزاهرة للدبلوماسية السودانية كانت عند تولي منصور خالد منصب وزارة الخارجية، فعلى الرغم من الجدل الذي أحاط بشخص الرجل، إلا أن فترته شهدت نجاحاً مقدّراً للدبلوماسية السودانية، ويحمد له أنه كان حاسماً لدرجة دخوله في مشادات مع عدد من السفراء، بسبب ملاحظات على أدائهم، وحتى مظهرهم العام. واجتهد وزير الخارجية الأسبق علي كرتي "على الرغم من خلفيته العسكرية" في إصلاح علاقات السودان الخارجية، خصوصاً مع دول الخليج، وكان لا يخفي انزعاجه من علاقات النظام القوية في ذلك الحين مع إيران، وقد دعم بشدة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان.
السودان بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة وزارة الخارجية، خصوصاً المناصب العليا، مثل وكيل الوزارة والمندوب الدائم للأمم المتحدة والناطق الرسمي، ويتطلب الأمر أيضاً حصر مناصب السفراء والمستشارين على ذوي الخبرة والكفاءة، من أجل إصلاح علاقات السودان خارجياً، والعمل على رفع الحصار المفروض على البلاد، بالإضافة إلى تصحيح الصورة الذهنية التي تضرّرت كثيراً من تدخلات مسؤولين في أعمال وزارة الخارجية تارة، وتصريحاتهم غير الموفقة تارة أخرى.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع