أيوب والخضر الأخضر

أيوب والخضر الأخضر

20 ابريل 2016

الآلهة عشتار (Getty)

+ الخط -
في إبريل/ نيسان من كل عام، يستعيد سكان الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط مناسبة "أربعاء أيوب" التي تقع في أول أربعاء، أو في آخر أربعاء من ذلك الشهر. وينتمي هذا الاحتفال الشعبي إلى طقوس البحر، قياساً على احتفال النبي الخضر الذي يندرج في سياق طقوس السهل. وأربعاء أيوب هو الرديف الإسلامي لطقوس الخصوبة القديمة. وجرى الاعتقاد أن في مثل هذا اليوم الذي يسبق عيد شمّو (أو شم النسيم) نزل النبي أيوب إلى البحر عند شاطئ مدينة العريش، فشفاه الله من أمراضه وقروحه. ويرتبط أربعاء أيوب بثلاثة طقوس، هي طرد الشر، والتفتيش عن عريس للفتيات اللواتي وصلن إلى العشرين (سن العنوسة)، ودعاء الإنجاب للنساء اللواتي لم يُنجبْنَ. ويصنع أهل بيروت حلوى "المفتقة"، ويذهبون إلى البحر جماعات، ويغسلون عيونهم بماء البحر (للشفاء من الرمد الربيعي)، أو يقطفون الأزهار وينقعونها في ماء البحر، ثم يغسلون بها عيونهم.
وفي هذا الموسم، يذهب إلى الشاطئ المرضى وغير المتزوجات وغير القادرات على الإنجاب، وتردد العازبات: "يا بحر جيتك زايرة/ من كُثر ما أنا بايرة/ كل البنات تجوزت/ وأنا على شطك دايرة". ويتزوّد الجميع بالبيض المسلوق والحمص الأخضر الذي يسمونه في بيروت "أم قُليبانة"، وفي الشام "طقِّشْ فقِّش". أما في مدينة العريش، فيتجمع الناس عند شاطئ البحر، وحين يلامس قرص الشمس خط الأفق، يندفع الجميع، رجالاً ونساء، إلى الماء، ولا يخرجون إلا بعد أن "تغطس" الشمس تحت خط الأفق. وقد منعت حركة حماس هذه الطقوس في غزة، واعتبرتها طقوساً وثنية، وفيها إخلال بالحياء لدى النساء.
أما الخضر فهو أكثر الشخصيات انتشاراً بين الشعوب الزراعية، وهو يقترن في المخيال الشعبي بحكاية مار جاورجيوس. والمعروف أن الخضر عاش في زمن موسى النبي، أي قبل المسيح، بينما ولد مار جاورجيوس في أواخر القرن الثاني الميلادي، وكان ضابطاً في جيش القيصر الروماني دقليانوس، ورفض اضطهاد المسيحيين، فعُذّب حتى الموت. وفي فلسطين قرية تسمى الخضر جنوب القدس، وفيها كنيسة على اسم القديس جاورجيوس. والخضر في بعض الروايات الإسلامية اسمه إيليا بن ملكان، وسُمي الخضر لأنه حي دائماً. واللافت هو التشابه في المعنى بين إيليا والخضر، فالنبي إيليا يدعى "الياس الحي" الذي يجسد الإنبات واخضرار الشجر والزرع. والخضر في حماة هو شفيع العيون، وله عيد قديم يحتفل به الأطفال، بالطواف ليلاً لجمع الأزهار التي يضعونها في أوعية خاصة، وفي الصباح يغسلون عيونهم بنقيعها، ثم يذهب الجميع، كباراً وصغاراً، إلى البساتين. ويعتقد سكان درعا أن الخضر مدفون بالقرب من بلدتهم، وله فيها مقام تزوره الفتيات اللواتي اقتربن من العنوسة، فيعلقن فيه خرقاً كأمنيات. ثم تأتي أخرياتٌ فيأخذن الخرق علامات مباركة، ربما تُحقق لهن أمنياتهن. وفي روسيا، يخرج الكاهن مع الناس إلى الحقول، ليباركها في عيد مار جاورجيوس في 23 نيسان من كل عام، ثم يتقدم المتزوجون حديثاً فيتدحرجون على الأرض الخضراء في طقس إخصابي جميل.
مار جاورجيوس، رديف الخضر، هو تموز البابلي ابن عشتار الذي يجسّد روح الإنبات واستمرار الحياة. وحتى البيض الملون والحمص الأخضر والسمك والبصل، وهي كلها عناصر رمزية احتفالية، تشير إلى التجدد والولادة المتجددة. وجلجامش نفسه، بحسب أقدم أسطورة في تاريخ البشرية، مات وهو يفتش في الغابات الخضر عن الخلود. أَلم تكن غايته أن يكون كالخضر خالداً أبداً؟ أَوَليست طقوس الخصب القديمة التي تمجد الحياة أجمل بكثير من طقوس الموت تحريقاً وتغريقاً وتعليقاً؟ فإذا كان بعضهم يتقرّب من الله بالدم، أَليس من الخير والفضيلة أن نتقرّب منه بالبهجة والمسرّة والحبور؟

دلالات